بسم الله الرحمن الرحيم [الخطبة الأولى] (1)
سلسلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
يقول الله تعالى في كتابه الكريم وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
وروى الإمام مسلمٌ عن أبي سعيد الخدري أنه قال : سمعت رسول الله يقول: (( من رأى منكم منكراً فلـْيُغيِّرْهُ بيده, فإن لم يستطع فبلسانه,فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان.))
إنّ الأمر بالمعروف والنهيَ عن المنكر,ومحاولة َ تغيير المنكر بالنصح تارة ً,وبالطـُرُق العملية المشروعة تارة أخرى,من أهم الأمور التي تساعد على سلامة المجتمع من الشرور،وصيانته من الفساد ،وحمايته من السقوط في هاوية الانحراف.
والمعروف:هو كل ماعرفته وأنِسَتْ إليه العقولُ والطباع السليمة.وهو اسمٌ لِما يُعرَفُ بالشرع أو العقل حُسْنُه
والمنكر:هو ما تستقبحه العقول والطباع السليمة, ويحكم الدينُ بقبحه.وفي شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقول الإمام الغزالي رحمه الله :
(( اعلم أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين, والمَهمة التي بعث الله لها النبيين أجمعين,ولوطـُوِيَ بساطـُهُ,وأ ُهمِلَ علمُهُ وعملـُهُ لفشت الضلالة وشاعت الجهالة وخربت البلاد وهلك العباد))
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضتان لازمتان لحفظ المجتمع المسلم وسلامتِهِ من الآفات والمعاصي التي تفتك بالأمة وتصل بها إلى الدمار
وقد أكد الله فرضيتـَهُما ووجوبَهما في مواضعَ من كتابـِه كقوله وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فقوله(ولتكن)أمرٌ,
وظاهرُ الأمر الإيجابُ , وكذلك قال الله مبيّناً سبب لعنة بني إسرائيل على ألسنة أنبيائِهم :
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ هذا وكما أكد القرآن فرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كذلك أكدت السنة المطهرة هذه الفرضية فقال رسول الله :
(( من رأى منكم منكراً فلـْيُغيِّرْهُ بيده, فإن لم يستطع فبلسانه,فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان.))
إذاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبٌ بالاتفاق ووجوبه معلومٌ من الدين بالضرورة. لكن هل الوجوب ـ هنا ـ على سبيل الكفاية: أي إن أمَرَ بعضُ أهل البلد بالمعروف ونهَوْا عن المنكر سقط الإثمُ عن الباقين,أم أنهُ واجبٌ وجوباً عينيّـاً على كل مكلف؟ ـ اختلفَ العلماء في ذلك وانقسموا فريقين: فبعضهم يرى أنه واجبٌ على سبيل الكفاية لأنّ معنى قوله تعالى(ولتكن منكم) أي [وليكن بعضكم] فـ(مِن)ـ هنا ـ للتبعيض كما في قوله حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ أي : بعض ما تحبون., وبعضهم يرى أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب وجوباً عينيـّأ فقوله تعالى :
(ولتكن منكم) معناه:[ولتكونوا كلّـُكم أمة ًيدعون إلى الخير..] فـ(مِن) ـ هنا ـ يقال عنها:لبيان الجنس كما في قول الله:فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ فليس المراد بعض الأوثان بل جنسُ الأوثان أي:كل الأوثان.
لكن الراجح أنه واجبٌ على سبيل الكفاية . وهذا لايعني أن نتواني في هذه الفريضة العظيمة ولايعني ذلك أن نتواكل ونتكاسلَ في أدائها , لذا وجب التنبيه إلى بعض الأمور الهامة والمتعلقة بهذا الشأن :
أولاً إذا وقعَ منكرٌ في بلد للمسلمين ولم يُنـْهَ عنه أثِمَ جميع أهل البلد , وكم من منكرات ٍ فشت وانتشرت بين المسلمين , ولاينهَ المسلمون بعضـُهم بعضاً عنها ولا ينكرونها , فالغيبة مثلاً وهي كبيرة من الكبائر صارت أمراً عاديّـاً فيما بيننا,وصار الواحد منا لاتمر عليه ساعة إلا ويقع في الغيبة إمّا أن يكون هو المغتاب أويكون مُجالِساً للمغتابين ـ والمستمعُ شريك القائل ـ ولاينهى بعضـُنا بعضاً عن هذه الكبيرة
وفي هذا يقول سيدُناأنس بن مالك(من سمع أحداً يفعلُ منكراً ولم ينههُ جاء يوم القيامة أصمَّ مقطوعَ الأذنين)
وقال أبوأمامة : ((يُحشـَرُ ناسٌ من هذه الأمّة على صورة القردة والخنازير بملاصقتهم أهلَ المعاصي وتركِهم نهيَهم وهم قادرون .))
ــ نركبُ الحافلات أوالباصات التي تنقل الركاب والتي تحولت ـ وللأسف ـ إلى مسارحَ غنائيةٍ يستمع فيها الراكب لأفحش ِ الكلام ممّا لا يُرضي الله ولايحرك ساكناً ـ وغيرها من المنكرات كثير ـ
ثانياً : من كان قادراً على تغيير المنكر وجب عليه ذلك حسب قدرته بيده أو بلسانه, وعليه فالرجل في بيته,والمعلم في صفه, والإمام في مسجده ,إن رأى منكراً وهو قادرٌ على تغييره فيجب عليه وجوباً عينيّـاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر,لكن كثير من الآباء,ممّن قد يكون محافظاً على الصلوات والعبادات,يرى المنكرَفي بيته ـ أولادُه لايصلون,زوجتـُه وبناتـُه يستمعن للأغاني الفاحشة ـ فلايأمر ولاينهى ويترك الحبل على الغارب, حتى يصلَ إلى مرحلةِ أن يأمرَ وينهى وما من مستجيب ٍ له بل يُضرَب بكلامه عرض الحائط ـ وهذا أمر مشاهَدٌ ومعروفٌ لنا جميعاً ـ ومع هذا فالأب آثمٌ ومؤاخذ لأنه مسؤول عن هذه الرعيّة ولأنه كان قادراً على تغييرالمنكر ولم يغيّرْه . وفي هذا يقول رسول الله : (( ما من قوم يُعمَلُ فيهم بالمعاصي
ثم يقدرون على أن يغيّروا فلا يغيروا,إلايوشِكُ أن يعمَّـهمُ اللهُ بعقابه .))
ثالثاً إن الأمر بالمعروف والنهيَ عن المنكر يكون فرضَ كفاية بشرطِ أن يكون البعض الذي قام به قد وصل أمرُهُ أو أمرهم ونهيُه أو نهيهم إلى جميع الواقعين في الذنب أوالتاركين للواجب , فإنّ كثيرينَ يظنون أنه مادام فلان يقوم بالأمر والنهي ومادام الخطيب يوم الجمعة يأمر وينهى فهو كاف ٍ ,ولو لم يصل صوتـُه إلى الجميع . وهذا فهم ٌ خاطئ
رابعاً اتفق جميع العلماء بل المسلمين أجمعِهم على مسألة [الإنكار القلبي] فهو فرض عين على كل مكلف لأنه أضعف الإيمان كما أخبر النبي
وليس بعد أضعف الإيمان إلا الكفر ـ والعياذ بالله ـ لأنّ العبد أو القلبَ إذا لم يُنكـِرالمنكرَ فهذا دليل على رضاه به و(الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم) ولايجتمع الإيمان مع الرضا بالمنكر يقول سيدنا علي (( أول ماتـُغلبون عليه من الجهاد , الجهادُ بأيديكم، ثم الجهادُ بألسنتكم، ثم الجهادُ بقلوبكم فإذا لم يعرف ِ القلبُ المعروفَ ولم يُنكرالمنكرَ نـُكـِّسَ فجُعـِلَ أعلاه أسفلـَه.))
ويكون الإنكار القلبي:بأن تكرهَ المنكر ولاترضى به وتعزمَ على أنك لوقدرت َعلى تغييره بفعل أوبقول لفعلتَ. إخوتي وأحبتي في الله : لقد تركـْنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونريد من الله أن ينصرنا على القوم الظالمين , وبعضنا يسيءُ الأدبَ مع الله ويقول ندعو ندعو.. ولايستجيبُ الله لنا,أتريد أن تعرفَ ـ أخي المسلم ـ ما السبب؟ ليبطلَ العجب , اسمع إلى سيدِكَ وسيدي رسول ِ الله ماذا يقول في ذلك
يقول (( لتأمـُرُن َّ بالمعروف, ولتنهَوُن َّ عن المنكر أو ليُسلـِّطن َّ الله عليكم شراركم,
فيدعو خيارُكم فلا يُـستجاب ُ لهم .))
ويقول : (( أيها الناس مُرُوا بالمعروف,وانهَوْا عن المنكر قبل أن تدعوا الله فلا يستجيبُ لكم , وقبل أن تستغفروا الله فلايغفرلكم . ))
اللهم اجعلنا من الذين يدعون إلى الخير,ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنـَه
أقول قولي هذا .........