بسم الله الرحمن الرحيم
النصيحة
لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاحٍ بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً .
وروى الإمام مسلم في صحيحه قول رسول الله الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم .
كيف تكون النصيحة لله : تكون عندما نؤمن بالله ولا نشرك به أحداً وعندما نلتزم طاعته سبحانه وتعالى ونبتعد عن معصيته .
يروى أن الحواريين قالوا لعيسى عليه السلام من هو الناصح لله قال الذي يقدم حق الله على حق الخلق.
وتكون النصيحة لكتابه أي القرآن الكريم بأن نؤمن به وبأنه منزل من الله سبحانه وتعالى فنكرمه ونعمل بما فيه .
وتكون النصيحة لرسول الله بأن نؤمن بأنه رسول الله وأن ما جاء به هو الحق من عند الله فنلزم طاعته في أمره ونهيه وإحياء سنته والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه.
أما النصيحة لأئمة المسلمين فتعني معاونتهم على الحق وامتثال أمرهم لكن في غير معصية الله روى الإمام مسلم في صحيحه قول رسول الله على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية .
فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة .
ويجب الدعاء لوالي المسلمين بالصلاح والسداد لأن في صلاح الوالي صلاح الأمة قال أحد الصالحين لو اعلم أن لي دعوة واحدة مستجابة عند الله لدعوتها للحاكم أو الوالي.
أما النصيحة لعامة المسلمين تعني إرشادهم إلى ما يصلح أمور دينهم ودنياهم ومن ينصح الناس فقد حاز على محبة الله سبحانه وتعالى لقول رسول الله إن أحب عباد الله إلى الله أنصحهم لعباده .
وقال بعض التابعين خير الناس أنصحهم لهم وشر الناس أغشهم لهم فمهما بلغ الإحسان من المراتب الدينية والدنيوية فإنه لا يستغني عن نصيحة الناس له لذلك وقف أبو بكر رضي الله عنه في أول يوم من خلافته وقال:
أيها الناس إني وليت عليكم ولست بخيركم فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فقوموني فالإنسان بحاجة إلى النصيحة في كل زمان ومكان لأنه لا يرى عيوب نفسه . قال رسول الله يرى القذاة في عين أخيه ولا يرى الجذع في عين نفسه هذا حال البشر.
أما من يسمع النصيحة ويعلم أنها حق ومع ذلك فإنه بصر على الإثم إستكباراً منه وتكبراً فقد خسر خسراناً عظيماً قال تعالى وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد .
نسأل الله العفو والعافية .
أيها المسلمون من أراد أن ينصح الناس عليه أن يتعلم شروط النصيحة لكي يستعيد المنصوح من هذه النصيحة ومن شروط النصيحة اختيار الزمان والمكان المناسبين وأن لا تكون النصيحة أمام الناس لكي لا تتحول إلى فضيحة.
والإمام الشافعي رضي الله عنه يقول من وعظ أخاه سراً فقد نصحه ومن وعظه علانية فقد فضحه إذاً يجب أن تكون النصيحة في السر لأن النصيحة أمام الناس قد تدفع المنصوح إلى الإصرار على الخطأ .
ومن شروط النصيحة أن تكون أنت مطبق وملتزم بالعمل الذي يجب أن تكون أنت صادق لكي يتقبل منك الأمر .
وعندما تقول يا فلان أنصحك بأن تتصالح مع جيرانك يجب أن تكون أنت متصالح مع جيرانك أما عندما تكون متخاصم مع اغلب جيرانك وتبيع على الناس النصائح فكيف تريد أن يتقبلوا منك هذه النصائح .
والله سبحانه وتعالى يقول يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما تفعلون .
ومن شروط النصيحة المهمة : اختيار الأسلوب المناسب للنصيحة وأن يتميز الأسلوب بالرفق واللين ولا تنصح الناس بغضب وانفعال وكأنك تريد قتالهم وليس نصحهم حتى ولو كان المنصوح ظالماً طاغياً يجب عليك أن تستخدم أسلوب اللين معه وقد أوصى الله سبحانه وتعالى موسى وهارون عندما أرادا الذهاب إلى فرعون أن يقولا له قولاً ليناً .
قال تعالى : اذهبا إلى فرعون إنه طغى وقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى .
وقد مدح الله سبحانه وتعالى رسولنا محمد برحمة القلب ولين الأسلوب قال تعالى: فبما رحمة لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك .
وقد روي عن الحسن والحسين أسلوباً لطيفاً وجميلاً في النصيحة عندما شاهدا شيخاً كبيراً لا يحسن الوضوء فقالا له يا عم نريد أن نستبق أينا يحسن الوضوء أفضل من صاحبه ونريد أن تكون حكماً بيننا ، فتوضأ الحسن وتوضأ الحسين فقال لهما الشيخ الكبير كلاكما يحسن الوضوء وأن الذي لا أحسن الوضوء لقد علم الشيخ أنه المقصود من هذا السباق وتعلم من الحسن والحين كيف يكون الوضوء الصحيح .
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه وحببنا فيه .
وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه وكرهنا فيه .