لمحةٌ موجزةٌ عن تاريخِ التَّجويدِ والقراءاتِ:
1- تاريخ التأليف في هذا العلم:
إن أول من وضع قواعد التجويد العلمية أئمة القراءة واللغة في ابتداء عصر التأليف، وقيل: إن الذي وضعها هو الخليل بن أحمد الفراهيدي1، وقال بعضهم: أبو الأسود الدؤلي، وقيل أيضًا: أبو عبيد القاسم بن سلام وذلك بعد ما كثرت الفتوحات الإسلامية، وانضوى تحت راية الإسلام كثيرٌ من الأعاجم، واختلط اللسان الأعجمي باللسان العربي، وفشا اللَّحنُ على الألسنة، فخشى ولاة المسلمين أن يُفْضي ذلك إلى التحريف في كتاب الله، فعملوا على تلافي ذلك، وإزالة أسبابه، وأحدثوا من الوسائل ما يَكْفُل صيانة كتاب الله -عز وجل- من اللحن، فأحدثوا فيه النَّقْطَ والشَّكْلَ بعد أن كان المصحف العثماني خاليًا منهما، ثم وضعوا قواعد التجويد حتى يلتزم كل قارئ بها عندما يتلو شيئًا من كتاب الله تعالى.
ولقد كانت بداية النَّظم في علوم التجويد قصيدةَ أبي مزاحم الخاقاني، المتوفى سنة: 325هـ، وذلك في أواخر القرن الثالث الهجري وهي تعتبر أقدم نص نُظِمَ في علم التجويد2.
وأما القراءات فلعلَّ أول من جمع هذا العلم في كتاب هو الإمام أبو عبيد القاسم ابن سلاَّم3 وذلك في القرن الثالث الهجري فقد ألَّف كتاب "القراءات" الذي قال عنه الحافظ الذهبي: ولأبي عبيد كتابٌ في القراءات ليس لأحد من الكوفيين مثله، توفي ابن سلام بمكة سنة: 224هـ.
ـــــــ
1 من كتاب "العميد في علم التجويد"، للشيخ محمود على بسة، ص9.
2 من كتاب "مجموعة التجويد"1، شرح قصيدة أبي مزاحم الخاقاني، للدكتور: عبد العزيز قاري، ص9.
3 من كتاب قواعد التجويد للدكتور: عبد العزيز القاري بتصرف ص3، 4.
(1/22)
________________________________________
وقيل إن أول من جمع القراءات ودوَّنها أبو عمر حفص بن عمر الدُّوري المتوفى سنة: 246هـ، وقيل غير ذلك.
وقد اشتهر في القرن الرابع الهجري: الحافظ أبو بكر بن مجاهد البغدادي، وهو أول من أفرد القراءات السبعة في كتاب، وقد توفي سنة: 324هـ.
كما اشتهر في القرن الخامس الهجري: الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الدَّاني، وله تصانيف كثيرة في هذا الفن، وأهمها كتاب التيسير، وقد توفي ببلاد الأندلس سنة: 444هـ.
أما في القرن السادس الهجري فقد اشتهر الإمام القاسم بن فيُّره بن خلف الشاطبي، وألَّف "حرز الأماني ووجه التهاني" المعروف بالشاطبية والتي لخَّص فيها كتاب "التيسير في القراءات السبع" وعدد أبياتها "1173" بيتًا، وتوفي بالقاهرة سنة: 590هـ.
ثم توالى بعد ذلك الأئمة الأعلام صارفين أعمارهم في التسابق لخدمة هذا العلم تصنيفًا وتحقيقًا، حتى قيَّض الله -عز وجل- له إمامَ المحققين أبا الخير محمد بن محمد بن محمد بن الجزري فألَّف الكثير من كتب القراءات، ونظم المقدمة في علم التجويد، وهي المعروفة بمتن الجزرية، وتوفي بمدينة شيراز سنة: 833هـ.
أسأل الله أن ينفعنا بعلمهم، وأن يجزيهم عنا خير الجزاء إنه سميع مجيب.