زواج عبد الله بآمنة وحملها
________________________________________
كان عبد الله بن عبد المطلب من أحب ولد أبيه إليه، فزوجه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زُهرة بن كلاب، وسنُّه ثماني عشرة سنة، وهي يومئذٍ من أفضل نساء قريش نسباً وموضعاً، ولما دخل عليها حملت بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يلبث أبوه أن توفي بعد الحمل بشهرين، ودفن بالمدينة عند أخواله بني عدي بن النجار، فإنه كان قد ذهب بتجارة إلى الشام، فأدركته منيته بالمدينة وهو راجع، ولما تمّت مدة حمل آمنة وضعت ولدها، فاستبشر العالم بهذا المولود الكريم الذي بثّ في أرجائه روح الآداب وتمم مكارم الأخلاق. وقد حقق المرحوم محمود باشا الفلكي أن ذلك كان صبيحة يوم الاثنين تاسع ربيع الأول الموافق لليوم العشرين من أبريل سنة (571) من الميلاد، وهو يوافق السنة الأولى من حادثة الفيل، وكانت ولادته في دار أبي طالب بِشِعْب بني هاشم، وكانت قابلته الشَّفَّاء أم عبد الرحمان بن عوف، ولما ولد أرسلت أمه لجده تبشِّره، فأقبل مسروراً وسمّاه محمداً، ولم يكن هذا الاسم شائعاً قبلُ عند العرب، ولكن أراد الله أن يحقق ما قدّره وذكره في الكتب التي جاءت بها الأنبياء كالتوراة والإنجيل، فألهم جدَّه أن يسمّيه بذلك إنفاذاً لأمره، وكانت حاضِنته أم أيمن بركة الحبشية، أَمَة أبيه عبدِ اللَّهِ، وأول مَنْ أرضعه ثُوَيْبَةُ أَمَةُ عمه أبي لهب.
الرضاع
________________________________________
وكان من عادة العرب أن يلتمسوا المراضع لمواليدهم في البوادي ليكون أنجبَ للولد، وكانوا يقولون: إن المربَّى في المدن يكون كليلَ الذهن فاتر العزيمة، فجاءت نِسوة من بني سعد بن بكر يطلبن أطفالاً يرضعنهم، فكان الرضيع المحمود من نصيب حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية، واسم زوجها أبو كبشة، وهو الذي كانت قريش تنسبُ له الرسول صلى الله عليه وسلم حينما يريدون الاستهزاء به فيقولون: هذا ابن أبي كبشة يُكلَّم من السماء ودُرّت البركات على أهل ذاك البيت الذين أرضعوه مدة وجوده بينهم وكانت تربو عن أربع سنوات.
حادثة شق الصدر
وحصل له وهو بينهم حادثة مهمة وهي شق صدره وإخراج حظ الشيطان منه، فأحدث ذلك عند حليمة خوفاً فردته إلى أمه وحدّثتها قائلة: بينما هو وإخوته في بَهْم لنا خلف بيوتنا إذ أتى أخوه يعدو، فقال لي ولأبيه: ذاك أخي القرشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاه، فشَقَّا بطنه فهما يَسُوطانه. فخرجت أنا وأبوه نحوه فوجدناه منتقعاً لونه، فالتزمته والتزمه أبوه، فقلنا له: ما لك يا بنيّ؟ فقال: جاءني رجلان عليهما ثياب بيض، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال: نعم. فأقبلا يبتدراني فأضجعاني فشقَّا بطني، فالتمسا فيه شيئاً، فأخذاه وطرحاه ولا أدري ما هو.
وفاة آمنة وكفالة عبد المطلب ووفاته وكفالة أبي طالب
________________________________________
ثم إن أمه أخذته منها، وتوجهت به إلى المدينة لزيارة أخوال أبيه بني عدي بن النجار، وبينما هي عائدة أدركتها منيتها في الطريق فماتت بالأبواء فحضنته أُمُّ أيمن، وكفله جده عبد المطلب، ورقَّ له رِقَّةً لم تُعْهَد له في ولده، لما كان يظهر عليه مما يدلّ على أن له شأْناً عظيماً في المستقبل، وكان يكرمه غاية الإكرام، ولكن لم يلبث عبد المطلب أن تُوفي بعد ثماني سنوات من عمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فكفله شقيق أبيه أبو طالب فكان له رحيماً وعليه غيوراً، وكان أبو طالب مُقلاً من المال فبارك الله له في قليله، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في مدة كفالة عمه مثالَ القناعة والبعد عن السفاسف التي يشتغل بها الأطفال عادة، كما روت ذلك أُم أيمن حاضنته، فكان إذا أقبل وقتُ الأكل جاء الأولاد يختطفون وهو قانع بما سييسرُهُ الله له.