آداب التحية
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي مرج البحرين؛ هذا عذب فرات، وهذا ملح أجاج، وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا، وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا، وكان ربك قديرا، أحمده سبحانه وأشكره، وأذكره وأثني عليه ولا أكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ هو الإله الحق ووعده الحق وقوله الصدق، والجنة حق والنار حق، والبعث حق والنبييون حق، ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم؛ وكان الكافر على ربه ظهيرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ومصطفاه وخليله، وأمينه وكليمه؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وسلم تسليما كثيرا؛ أما بعد.
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته، والتمسك بأمره، والاستقامة على عبادته، والتأسي بنبي الهدى - صلى الله عليه وسلم -، والعضّ على سنته بالنواجذ، وأحذركم من البدع ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[71،70: الأحزاب].
معشر الأحبة في الله: يهدف الإسلام العظيم إلى تنشئة الفرد المسلم على درجة من الأخلاق العالية والآداب السامية؛ التي تؤهله لحمل رسالة الله عز وجل، وأمانة الشرع والتكليف، ويهدف إلى بناء مجتمع مسلم متعاون ومترابط؛ ديدنه التعاون على البر والتقوى، ورائده التحابب في الله، والتعاون على طاعة الله سبحانه وتعالى، ومن أجل هذا وهذا جاءت الشرائع الإلهية والتوجيهات الإسلامية من أجل تحقيق هذا الغرض النبيل، وكل ما شرعه الله عز وجل في كتابه أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنما هو راجع بطريق أو بآخر إلى تحقيق هذا الأمر.
أيها الأحبة في الله: ومن هذه التوجيهات العظيمة، والآداب الكريمة التي يهدف الإسلام إلى تربية المجتمع المسلم عليها: ( تحية الإسلام )؛ فإن تحية الإسلام شعار من شعار الدين، وأدب من آدابه، ومنحة ربانية، ونعمة من الله سبحانه وتعالى، وكرامة خص بها أمة نبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه؛ وقد جاءت بهذا توجيهات الكتاب والسنة؛ كما قال سبحانه وتعالى: (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا)[86: النساء]، وتحية الإسلام لها أحكامها العديدة، وآدابها الكثيرة التي يقصر فيها كثير من المسلمين جهلا أو تفريطا وتنقبا لسنة نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقصيرا في أمر هذه السنة العظيمة التي من المفروض إشاعتها وإظهارها، وإعلانها وإفشاؤها؛ كغيرها من شعائر الإسلام وآدابه وتوجيهاته، وامتثالا لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ولأجل هذا أحببت في هذه الخطبة أن ألقي شيئا من أحكام وآداب هذه الشعيرة العظيمة ( تحية الإسلام الخالدة ).
أيها الأحبة في الله: إن التحية والسلام حق من حقوق المسلمين بعضهم على بعض؛ يجب القيام به، وينبغي الاعتناء به؛ وقد أخرج مسلم أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( حق المسلم على المسلم ست؛ إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس وحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه )؛ فبين - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث وغيره أن التحية حق للمسلم على المسلم ينبغي موافاته به كلما لقيه أو راسله أو كاتبه أو دخل مجلسه أو منزله.
والابتداء بالتحية سنة مؤكدة لصاحبها أجر عظيم عند الله عز وجل، ولا ينبغي أن تقف أمور الدنيا وشحناؤها حائلا دون إحياء هذه السنة؛ ففي الحديث المتفق عليه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث؛ يلتقيان؛ فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)؛ أثبت الخيرية والفضل للشخص البادئ بالسلام؛ فينبغي أخي المسلم؛ ألا تفوتك هذه الخيرية، وألا يفوتك هذا الأجر، وألا يفوتك هذا الفضل، وألا يقف الشيطان حائلا وحاجزا بينك وبين أخيك المسلم.
وفي الحديث الأخر أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن أولى الناس بالله؛ مَن بدأهم بالسلام)؛ أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإشاعة السلام ونشره، وإحياؤه وإفشاؤه، وإعلانه وإظهاره؛ سنة مؤكدة من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم -؛ فقد روى الترمذي وغيره بسند حسن عن عبد الله بن سلام – رضي الله عنه وأرضاه – قال: " لما جاء نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وانجفل الناس إليه؛ ذهبت إليه؛ فتفرست وجهه؛ فعرفت أنه ليس بوجه كذاب؛ فكان من أول ما قال وسمعت منه: ( أيها الناس: أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام)".
وفي إفشاء السلام وإحيائه، وإظهاره وإعلانه من إزالة الوحشة والبغضاء وهدمها من جذورها، والإتيان على التدابر والتقاطع من قواعده، وإعلان المحبة والمودة والعلاقات الأخوية، والروابط الإسلامية بين المسلمين؛ الأمر الذي لا يتحقق الإيمان والمحبة إلا به، والإيمان شرط لدخول الجنة؛ ففي الحديث المتفق عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (والذي نفسي بيده؛ لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا)؛ فانظر إلى هذا الرد وكيف يرتب النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرا على الأخر: ( لن تخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا؛ أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟؛ أفشوا السلام بينكم)، ومعنى إفشاء السلام: (إظهاره وإعلانه)؛ فهو أمر زائد عن مجرد قراءته على من لقيته.
ولقد كان الصحابة – رضي الله عنهم – أسرع الناس إلى امتثال أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي بلغ إيصاؤه بالسلام لدرجة انه قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي أخرجه أبو داوود وغيره: (إذا لقيت أخاك فسلم عليه؛ فإن حالت بينكما شجرة أو حجر أو جدار فلقيته؛ فسلم عليه)؛ إلى هذه الدرجة يريد نبي الهدى - صلى الله عليه وسلم - إفشاء السلام بين المسلمين، وإقامة الروابط والعلاقات الأخوية، وقطع أسباب البغضاء والشحناء بين المسلمين: (فإن حالت بينكما شجرة أو حجر أو جدار؛ فلقيته فسلم عليه).
أيها الأحبة: ومن إفشاء السلام: ( إعلان السلام على من عرفت ومن لم تعرف )؛ عكس ما يفعله كثير من الناس؛ فيخصون بالسلام من يعرفون دون من لا يعرفون، وهذا أمر أنكره نبي الله - صلى الله عليه وسلم -؛ بل وبين أنه واحد من أشراط الساعة في أخر الزمان؛ فقد أخرج البخاري – رحمه الله تعالى – أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لما سُئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؛ قال: ( تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)؛ فالسنة إحياء السلام وإظهاره على من عرفت ومن لم تعرف من الناس، سواء كان وجيها أم وضيعا، كبيرا أم صغيرا، سيدا أم مسودا، غنيا وتاجرا أم عاملا؛ فالسلام حق لكل مسلم، وواجب لكل مسلم، ومن حق كل مسلم.
وقد كان الصحابة – رضي الله عنهم – يخرجون إلى الأسواق؛ كما كان يفعل ابن عمر؛ لا لشيء إلا لإظهار السلام وإعلانه بين المسلمين؛ يسلم على من عرف ومن لا يعرف.
وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إن من أشراط الساعة أن يمر الرجل بالمسجد لا يصلي فيه – أي تجعل المساجد طرقات – وأن يلقى الرجل الرجل ولا يسلم عليه).
بل بلغ من حرص الصحابة – رضي الله عنهم – على إحياء سنة السلام؛ كما في البخاري عن أنس – رضي الله عنه – أنه كان يمر بالصبيان الصغار فليلقي عليهم التحية، ويذكر أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك.
أيها الأحبة في الله: ومن المواطن التي يتأكد استحباب السلام فيها: (الدخول إلى بيوت الغير )؛ فإن السلام في هذه الحالة سنة مؤكدة؛ بل قد ذهب بعض العلماء إلى القول بوجوبه؛ وصفة ذلك – حتى نتعلم توجيهات الإسلام ونعرف من درس السنة، ونربي أبناءنا وأهل بيوتنا عليها – أن تطرق الباب وتقول: (السلام عليكم؛ أأدخل؟ ) ثلاث مرات؛ فإن أذن لك فادخل، و إلا فارجع من حيث أتيت؛ يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)[28،27: النور].
وقال سبحانه وتعالى في موضع أخر من هذه السورة الكريمة: (فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ) ولو لم يكن لكم فيها احد(فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون)[61: النور].
ومن فوائد ذلك وحكمته من فوائد الاستئذان عند الدخول إلى بيوت الغير؛ أنه قد يكون الإنسان على حالة لا يرضى ولو كانت زوجه أن تراه عليها؛ كما بينت ذلك في خطب عن أمور الزنا وأسبابه وما يتعلق بذلك.
أيها الأحبة: وأما صفة السلام الشرعي؛ صفة تحية الإسلام؛ فهي واحدة لا يغني عنها غيرها، ولا يجزئ غيرها منها، ولفظها: (السلام عليكم) هكذا كما جاء في كتاب الله عز وجل؛ والسنة أخي المسلم إذا لقيت أخاك ألا تبدأه بالكلام قبل السلام؛ فإن ذلك جفاء نفس وشراسة في الطبع، وفيه من الوحشة وقلة البركة في مجلسكما ما فيه، والسنة أن تبدأه بالسلام قبل الكلام، وفي الحديث: (من بدأكم بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه) أو كما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم -؛ هذا لفظها الذي يجب أن نظهره ونعلنه وأن نفتخر ونعتز به: (السلام عليكم)، وإن شاء زاد وهو أفضل كما سأذكر وأبين إن شاء الله.
أيها الأحبة: هذه التحية تحية مباركة طيبة خصنا الله عز وجل بها، وهي تحية المسلم في صلاته وفي تشهده، والسلام اسم من أسماء رب العزة سبحانه وتعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ)[23: الحشر]، والسلام اسم من أسماء الجنة؛ فهي دار السلام: (وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[25: يونس]، والسلام تحية الله عز وجل وملائكته لأهل الجنة، وتحية أهل الجنة لربهم سبحانه وتعالى: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا)[44: الأحزاب]؛ (وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)[24،23: الرعد]؛ (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)[73: الزمر]، والآيات في هذا كثيرة ومعلومة.
والسلام بهذه الصيغة الذي ينبغي أن نظهره ونعتز به؛ أول أدب وتوجيه اجتماعي رفيع؛ وجه الله به أبانا آدم – عليه السلام – وذريته من بعده أول ما خلقه في الحديث المتفق عليه؛ أن الله عز وجل أول ما خلق آدم قال له: (اذهب فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس؛ فانظر بم يحيونك؛ فإنها تحيتك وتحية ذريتك من بعدك) فذهب عليه السلام فقال لهم: (السلام عليكم؛ فقالت الملائكة: السلام عليك ورحمة الله) زادوه ورحمة الله.
أيها الأحبة: إن للسلام مراتب أدناها: ( السلام عليكم )، وأوسطها (السلام عليكم ورحمة الله )، وأفضلها ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته )، والمسلم ينبغي أن يحرص على كل فضل وفاضل؛ وقد روى أبو داوود عن أنس – رضي الله عنه – : " أن رجلا جاء فقال: السلام عليكم؛ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: وعليكم السلام، وجلس؛ فقال النبي: واحدة، وجاء رجل أخر؛ فقال: السلام عليكم ورحمة الله، وجلس؛ فرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ الأول قال له النبي: عشر، والثاني قال له النبي: عشرون، والثالث قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ثلاثون، ثم بين أن من قال السلام عليكم؛ فله عشر حسنات، ومن قال السلام عليكم ورحمة الله فله عشرون، ومن زاد وبركاته فله ثلاثون درجة، وثلاثون حسنة والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف"؛ أو كما بين - صلى الله عليه وسلم .
أيها الأحبة في الله: ومن آداب السلام ( رفع الصوت به )، وإفشاؤه وإظهاره؛ فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم قوما أسمعهم، والسنة تكرار ذلك حتى يسمعوا إلا لمانع؛ إذا كان هناك نائم تخشى أن توقظه وتقذ مضجعه؛ فالسنة أن تخفض صوتك بالسلام؛ ففي صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يسلم تسليما لا يوقظ النائم ويسمع اليقظان، أو كما ورد عنه صلوات الله وسلامه عليه.
ومن آداب السلام: ( أن تسلم في أول المجلس وأخره )؛ فإذا جئت إلى المجلس فسلم، وإذا قمت عنه فسلم؛ ففي صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم؛ فإذا أراد أن يقوم فليسلم؛ فليست الأولى بأحق من الثانية).
هذه أيها الأحبة بعض الآداب والأحكام الخاصة بتحية الإسلام الخالدة (السلام عليكم )؛ ترى كثيرا من الناس يخالفونها، ويتناقضون سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها أو لا يظهرون السنة، أو يكتمون ما يعلمون من أمر الله سبحانه وتعالى، ولا يشيعون سنة الإسلام، وللحديث في الخطبة الثانية إن شاء الله تعالى؛ جعلنا الله وإياكم ممن زاده الفقه في الدين، وتمسكوا بسنة نبينا سيد المرسلين، وجعلنا وإياكم ممن حظي بالاستقامة على منهج الله القويم، ووفق للتمسك بصراطه المستقيم؛ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا)[86: النساء]؛ بارك الله لي ولم في القرءان العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتاب عليّ وعليكم إنه هو التواب الرحيم؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله؛ فاستغفروه إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية
(الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ مَـلِكِ يَوْمِ الدِّينِ)[4،3،2: الفاتحة]؛ أحمده سبحانه وأشكره على إحسانه العظيم، وعلى توفيقه العميم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ ولي الصالحين وناصر المظلومين، وموفق المستضعفين، وقامع المبتدعين والظالمين، وأشهد أن نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - رسول الله وأمينه، وكليمه وخليلهن وأمينه على وحيه، وخاتم الأنبياء، وسيد الأتقياء، ورسول الأميين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين وسلم تسليما كثيرا؛ أما بعد.
فاتقوا الله عباد الله، وتمسكوا بسنة رسول الله، وقفوا عند حدود الله، واحترموا محارم الله، واستقيموا على طاعة الله في رمضان وبعد رمضان؛ عملا بقول الله عز وجل: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[99: الحجر]، وبقوله سبحانه وتعالى: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ)[6: فصلت].
أيها الأحبة في الله: إن من السنة أن يشيع المسلم السلام، ويعلنه ويظهره على من يعرف وعلى من لم يعرف، وعلى الصغير وعلى الكبير، وعلى الرفيع وعلى الوضيع؛ عملا بوصية نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وتوجيهاته العظيمة وتنبيهاته الكريمة، وبما أصانا به رب العزة سبحانه وتعالى.
أيها الأحبة: ومن آداب السلام وأحكامه: ( أن يقترن به من البشاشة ما يقطع دابر العداوة ويزيل الوحشة بين المسلم وأخيه )، وقد جاء في الحديث: ( وتبسمك في وجه أخيك صدقة)، ويقترن به المصافحة؛ والمصافحة وضع اليد اليمين في اليد اليمين عند السلام سنة مؤكدة من سنن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه – رضي الله عنهم وأرضاهم –؛ إلا أنه لا يجوز أن يصافح الرجل امرأة أجنبية عنه بحال من الأحوال؛ كما بينت ذلك في خطب عديدة، وخصوصا في الخطب التي فيها التحذير من الزنا؛ عكس ما يفعله كثير من الجهلة من بعض أهل البادية والمجتمعات التي لم تتفتح على نور المعرفة وآداب السنة من فعل بعض الناس الذين يصافح الرجل المرأة الأجنبية عنه، ويكون في ذلك ما يكون فيه من الإغراء بالفاحشة والتشجيع فيها، ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات ولم تمس يده يد امرأة أجنبية.
وأدهى من ذلك وأمر، وأفحش من ذلك وأنكر؛ ما ينتشر في بعض المجتمعات من تقبيل الرجل للمرأة الأجنبية عنه؛ وقد شكا إليّ بعض الناس في بعض القرى النائية؛ حينما ذهبت إليهم وحدثني بعضهم هنا؛ أن الرجل في تلكم المجتمعات لا يتورع عن تقبيل زوجة أخيه في الوجه، وربما لو لم يفعل ذلك لأنكر عليه وقيل له : ( إنها بمثابة زوجتك وأختك)؛ نعوذ بالله من هذه الطباع المنكرة؛ سبحان الله!!؛ يقبل زوجة أخيه!!؛ فماذا بقي للزوج!!، ماذا بقي للأخ والحالة هذه!!.
أيها الأحبة: هذه عادات منكرة قبيحة؛ فالسنة هي أنك إذا لقيت أخاك المسلم أن تصافحه باليد، ويقبح أن يقبل الرجل الرجل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله إلا في حالات محدودة وخاصة، ويقبح أن يلتزمه ويحتضنه، وخصوصا إذا كان أمرد لا شعر في وجهه، وأما المرأة فمعلوم تحريم ذلك، وكذلك يقبح أن تقبل المرأة المرأة؛ لأن التقبيل خاص بين الزوجين، وأدهى من ذلك وأمر، وأنكر وأقبح؛ أن ينحني الرجل للرجل عند التحية وذلك حرام لا يجوز إلا لله رب العالمين.
أما السنة والذي يثاب عليه الشخص؛ فهو المصافحة باليد؛ روى مسلم عن قتادة - رضي الله عنه - قال: ( قلت لأنس: أكانت المصافحة في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم )، وفي سنن أبي داوود وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( ما من مسلمين يلتقيان؛ فيصافح أحدهما الأخر؛ إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا)، وفي الحديث الأخر: ( ما من مسلمين يصافح أحدهما الأخر؛ إلا تحاطت ذنوبها؛ كما تحاط أوراق الشجر ما دامت يد أحدهما في يد الأخر)، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينزع يده من يد أخيه حتى ينزعها الأخر منه، وروى الترمذي وحسنه:" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئل؛ قال له أحد الصحابة: يا نبي الله: إذا لقي أحدنا الرجل الأخر فسلم عليه؛ أيلتزمه فيقبله؟ قال: لا؛ قال: أيحتضنه؟؛ قال: لا؛ قال: أينحني له؟؛ قال: لا؛ قال: أيصافحه؛ قال: نعم"؛ أو كما جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فهذه هي آداب الإسلام وتوجيهاته في التحية؛ فالتزموها وأحيوها يرحمني ويرحمكم الله.
والتحية كما قلنا حق لكل مسلم على أخيه؛ إلا أن السنة أن يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والكبير على الصغير، والعالم على الجاهل، والولد على والده، وما أشبه ذلك مما يترتب عليه حقوق.
جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري وغيره؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، ويسلم القليل على الكثير).
ثم أيها الإخوة: إذا سلم المسلم على أخيه؛ فليعلم أن رد التحية واجب لا يعفى عنه؛ يرد التحية بمثلها والأفضل أن يرد بأفضل منها وأكمل؛ فإذا قيل له: السلام عليكم؛ فالأفضل أن يقول: وعليكم السلام ورحمة الله؛ كما قال رب العزة سبحانه وتعالى: (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا)[86: النساء].
واعلم أخي المسلم: أنه إذا سم رجل على قوم؛ فإنه يجزئ أن يرد واحد منهم؛ فإذا رد أحدهم سقط الإثم عن الباقين؛ لأن رد السلام فرض كفاية؛ ففي الحديث الذي أخرجه أبو داوود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( يجزئ عن القوم إذا كانوا ماشين أن يسلم واحد عنهم، وإذا كانوا قاعدين أن يرد عنهم أحدهم أو يسلم عنهم أحدهم ) أو كما قال رسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه.
إلا أن الكافر لا ينبغي أن يبدأه المسلم بسلام؛ لأن السلام دعاء بالسلامة، ودعاء بالعافية، وهذا لا يستحقه الكافر عدو الله؛ فقد جاء في الحديث المتفق عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( لا تبدءوا اليهود والنصارى بسلام؛ فإذا لقيتموهم بطريق فاضطروهم إلى أضيقه )؛ إلا إذا كانوا قوما مختلطين فيهم كفار ومسلمون؛ فالسنة أن يلقي عليهم السلام؛ ففي الحديث المتفق عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على قوم فيهم أخلاط مسلمون وكفار؛ فألقى عليهم التحية صلوات الله وسلامه عليه.
وأما إذا سلم عليك الكافر؛ فترد عليه بما أوصاك به نبي الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح حيث قال: ( إذا سلم عليكم اليهود والنصارى فقولوا: وعليكم ) أي: ردوا عليهم بمثل ذلك؛ لأنكم لا تدرون بم يسلمون عليكم، وفي الغالب أنهم لا يريدون لكم الخير، ولا يضمرون لكم في أنفسهم إلا الشر؛ لأن هذه سجية الكفار وطبعهم.
هذه أيها الإخوة بعض آداب الإسلام وأحكامه فيما يتعلق بهذه الشعيرة العظيمة، ونشاهد كثيرا من المسلمين تجاهلا منهم، أو جهلا ببعض أحكامها؛ يميت بعض أحكامها، وربما لا يشيعها أو يظهرها، أو يقرؤها على من يرجو منه مصلحة دنيوية، ولا يشيعها بين المسلمين جميعا، وكل هذه الأمور مخالفة لهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فاحرصوا - رحمكم الله - على التمسك بهدي نبيكم، وإحياء سنته، والتمسك بتعاليمه صلوات الله وسلامه عليه.
اللهم زدنا فقها في الدين؛ وتمسكا بسنة سيد المرسلين، واجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه يا رب العالمين؛ اللهم صل وسلم على محمد؛ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد؛ كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
اللهم ارض عن أصحابه أجمعين؛ خص منهم الأربعة الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبا بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا؛ اللهم ارض عنا وعن المسلمين؛ صل علينا وعلى عبادك الصالحين؛ اللهم زدنا علما ونورا وهدى وتوفيقا وصلاحا وثباتا؛ اللهم نور على أهل القبور قبورهم، واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم؛ اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المذنبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومضى المسلمين يا رب العالمين يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلح ووفق ولاة أمر هذا البلد وسائر ولاة المسلمين؛ اللهم اجعلهم هداة مهتدين؛ لا ضالين ولا مضلين؛ بالمعروف آمرين وعن المنكر ناهين؛ ولكتابك محكمين؛ ولسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - متبعين متمسكين يا رب العالمين يا ذا الجلال والإكرام؛ اللهم أرنا وأرهم الحق حقا وارزقنا إتباعه، والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه؛ اللهم جنبهم بطانة السوء والمنافقين، ووفقهم إلى بطانة الخير والصالحين الذين يعينونهم إذا ذكروا ويذكرونهم إذا نسوا ولا يخافون فيك لومة لائم يا رب العالمين.
اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شر شرارهم، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين؛ اللهم انصر المجاهدين في كل مكان؛ اللهم أعل رايتهم وثبت أقدامهم وسدد رميهم واربط على قلوبهم وثبت كلمتهم وشد صفهم، واجمع كلمتهم على خيرهم؛ اللهم اخذل أعداءهم ومزقهم شر ممزق، وانصرهم على عدوهم وعدوك يا رب العالمين.
اللهم ارفع البأساء والضراء والشدة والفقر والقحط والمرض والحروب والكوارث والقلاقل والمحن عن كل شبر من بلاد المسلمين؛ في فلسطين وفي لبنان عن المسلمين، وفي السودان والفلبين، وفي كل مكان يا رب العالمين.
اللهم ارفع راية الجهاد، واقمع أهل الشرك والفساد والعناد، وانشر رحمتك على العباد يا من له الدنيا والآخرة وله الحكم وإليه الميعاد يا رب العالمين يا ذا الجلال والإكرام؛ اللهم من حارب الخير وحارب دعوة الإسلام ووقف لأوليائك بالمرصاد ووقف للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر فقف له بالمرصاد؛ اللهم أعثر قدمه، وشل يده وأعم بصره، وأصم سمعه، وأخرس لسانه، وأعقم نسله وأره الفتنة بين عينيه، واجعله يتمنى الموت فلا يجد الموت؛ انتصارا لأوليائك يا رب العالمين إنك على ذلك قدير وبالإجابة جدير ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[90: النحل]؛ فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم؛ ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.