اغتنم خمسا قبل خمس
بِسْمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحديث الذي روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل يعظه : " اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وغناك قبل فقرك وحياتك قبل موتك"
اغتنم خمساً قبل خمس ، شبابك قبل هرمك
لا يعرف قيمة الشباب إلا الشيوخ ، إلا من تجاوز سنه الأربعين ، آلام ، وهموم ومقلقات ، وتحاليل ، وأطباء ، وسهر ، وشكوى ، وآلام في المفاصل من طبيب إلى طبيب من مصور إلى مصور ، ترى الشاب لا يخطر في باله شيء ألا ينبغي أن يستغل في طاعة الله ، في معرفة الله ، في حفظ كلام الله ، في الدعوة إلى الله ، في حضور مجالس العلم ، في التزود بالعلم ، في نشر العلم ، .
اغتنم هذا السن ، سن العطاء ، سن البناء ، سن الاندفاع ، سن الإرادة القوية ألا تغارون من سيدنا أسامة بن زيد سبعة عشر عاماً عينه النبي قائداً لجيش فيهم أبو بكر ، وفيهم عمر وعثمان ، وعلي ،
الإسلام يعتز بالشباب ولا ينتشر هذا الدين إلا على أيدي الشباب ، ولا يرجى لهذه الأمة أن تعود إلى سابق عهدها من قيادة الأمم إلا الشباب ، طاقة ، اندفاع ، فراغ ، صفاء ، قيم ، مبادئ لو نظرت إلى إنسان تقدمت به السن انكفأ على نفسه ، همومه كلها ذاتية ، يعني أصبحت همومه أكثرها في صحته ، وبعضها في أولاده وزوجات أولاده ، وتأمين حاجات أسرته ، والتوفيق بين دخله وبين مصارفه ، لكن الشباب لا يفكر في هذه
أيها الشباب اغتنموا شبابكم طاقة تحتاج إلى توجيه ، الشباب محرك جديد لا يحتاج إلا إلى مقود فإذا افتقر إلى المقود دمر صاحبه ، لو انطلقت سيارة بلا سائق والمحرك ممتاز ألست موقناً أن دمار هذه السيارة مائة في المائة والشاب حينما يندفع يستجيب إلى شهواته ، لشهوة بطنه ، لشهوة فرجه ، يستجيب إلى شهواته الاجتماعية ، يعيش لحظته وينسى آخرته ، وينسى ربه ، إنما يدمر نفسه .
أيها الشباب اغتنموا شبابكم فإن الشباب لا يدوم ، ولا تنسى أن الشباب مؤقت يظن أنه دائماً نشيط ، دائماً فارغ الهم ، فارغ البال ، دائماً مندفع ، دائماً يقفز قفزاً على الدرج ، قد يأتي يوم درجةً درجة ، وقد يأتي يوم يحتاج إلى من يعينه للصعود ـ يحتاج إلى عكاز ـ الشباب لا يدوم ، فإذا كان لا يدوم كيف تستغله ؟ بقيل وقال ، في لعب ، في حركات عشوائية ، في نشاط سخيف ، في الغيبة ، في مزاح رخيص
اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك... "
يعني قريب من المعنى ، الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرضى ، إذا إنسان أصيب بمرض لا سمح الله كل ما رأى شخص في الطريق هذا المرض بريء منه ، لا يوجد عنده هذه المشكلة ، والمريض يظن أن مرضه أصعب شيء ، والأمراض كلها صعبة ، إذا كان مرض جلدي صعب ، إن كان بالكليتين صعب ، إن كان بالهضم صعب ، إن كان بالعصاب صعب ، إن كان بالعضلات صعب ، الشلل صعب ، الرجفان صعب ، القرحة صعبة ، التهاب الزائدة ، تشمع الكبد ، ضيق الشرايين صعب ، الضغط العالي صعب هات لي مرض سهل كله صعب ، لكن كل مريض يظن أن مرضه أصعب الأمراض وكلما وقعت عينه مريض على صحيح قال : ياريتني مكانه ، تخرج من أعماق قلبه .
" اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك... "
مادام الصحة طيبة تحرك إلى المساجد .
قدم لنفسك خيراً وأنت مالك مالك من قبل أن تصبح فرداً ولون حالك حالك
ولست والله تدري أي المسالك سالك إما لجنة عدن أو في المهالك هالك
سيدنا أبا الدرداء وقف ذات يوم أمام الكعبة ثم قال لأصحابه : أليس إذا أراد أحدكم سفراً يستعد له بزاد ؟ قالوا : نعم ، قال : فسفر الآخرة أبعد مما تسافرون ، فقالوا : دلنا على زاده ، قال : حجوا حجةً لعظائم الأمور ، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور وصوموا يوماً شديداً حره لطول يوم النشور .
سيدنا علي يقول : من أمضى يومه في غير حق قضاه ، أو فرض أداه ، أو مجد بناه أو حمد حصله ، أو علم اقتبسه ، فقد عق يومه وظلم نفسه .
قال : يا ابن آدم لا تغتر بشبابك ، فكم من شاب سبقك إلى الموت ـ لا يوجد في حياتنا الآن بهذه السنتين شباب ماتوا بالثلاثين ، بالخمسة وعشرين ، يوم عرسه ، طلع على السطوح ليضبط هوائي التلفزيون ما رجع ، بعد يومين عرسه ، كثير في قصص ، نوع من الوهم يقول أنا شاب مازلت ، من قال لك ذلك ؟
" اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك ..."
وفراغك قبل شغلك ..."
كلما كنت شاب أكثر تكون فارغ والوقت طويل ، إذا شاب سهر مع أصدقائه لا أحد يحاسبه أما إذا كان متزوج يوجد علقة أمامه أين أنت إلى الآن ؟ يوجد مسؤول ، هذا معنى الفراغ قبل الشغل .
قال : دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان فاعمل لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثانِ .
في أبيات لطيفة :
سيصير المرء يوماً جسـداً ما فيه روح
بين عيني كل حـي علم الموت يـــلوح
كلنا في غفلـــة والموت يغدو ويروح
نُح على نفسـك يا مسكين إن كنت تنوح
لتموتن وإن عمرت ما عمر نـــــوح
كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذي العزة والجبروت ، الليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلابد من نزول القبر .
النبي الكريم سئل :
" روى ابن ماجة عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا ، قَالَ : فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ ؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا أُولَئِكَ الأَكْيَاسُ "
ما أكلتم منها لحماً سميناً .
اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وغناك قبل فقرك وحياتك قبل موتك"
إذا معه مال إذا أنفق بعضه في طاعة الله يرقى ، أما إذا اختفى المال ذهب المال منع من عمل كان من الممكن أن يرقى به .
أيها الأخوة الأكارم :
سيدنا عمر رضي الله عنه ، قال : كان يخاف من لقاء الله خوفاً شديداً ، قلت البارحة نقطة أن حجم خوفك من الله بحجم معرفتك به مؤشر الخوف يدل على مؤشر المعرفة ، فكلما ازدادت معرفتك ازداد خوفك ، وكلما قلت معرفتك قل خوفك ، رأس الحكمة مخافة الله .
كان يخاف من لقاء الله خوفاً شديداً ، وكان دائم البكاء لدرجة أنك ترى على وجهه خطين أسودين من كثرة انحدار الدموع ، كان يقول ليت أمي لم تلدني ، وليتني شعرة في صدر أبي بكر ، وكان يقول : أنا حسنة من حسنات أبي بكر .
مرة تعرفون رجل أحب أن يمدحه نفاقاً قال له ما رأينا خيراً منك بعد أبي بكر ، فنظر إليهم نظرةً حادة ، حتى أن قال أحد الحاضرين لا والله لقد رأينا من هو خير منك ، قال : من هو ؟ قال : أبو بكر قال : والله كنت أضل من بعيري وكان أبو بكر أطيب من ريح المسك .
الملاحظ أن السلف الصالح كانوا يخافون الموت خوفاً شديداً ، اليوم تلاحظ ملاحظة ترى جنازة تسير والذين يمشون في الجنازة يتحدثون في الصفقات ، السوق بارد ... وتدخل الجنازة إلى المسجد يقفون خارج المسجد يدخنون ، يعني وراء الجنازة يمشون .
وقلت البارحة أكثر الناس صلةً بالموت أكثرهم بعداً عن الله عز وجل ، يباع القبر مرتين ثلاثة ، وإذا رأى قبر فارغ اغتصبه ووضع له شاهدة وكتب توفي ونقطتين ، وثمنه عشرة آلاف ليرة ، أكثر الناس احتكاكاً بالموت أبعدهم عن الله عز وجل ، المشكلة السلف الصالح كانوا يخافون الموت .
الترمذي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ
والنبات شاهد ، انظر إلى البرعم ، زهر ، ورق ، ثمر ، اصفرار ذبول ، حطبة ، وهكذا الإنسان ،
الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، مامن يوم ينشق فجره إلا وينادي يا بن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإن لا أعود إلى يوم القيامة لا تنسى أن الإنسان يوم القيامة ولو كان مؤمناً ، لو دخل الجنة لا يندم إلا على ساعةٍ مضت لم يذكر الله فيها .
لو أن الدنيا كلها بيد إنسان وجاءه الموت ودفعها كلها من أجل أن يمد في أجله ساعة واحدة ليصلي بها ركعتين لله عز وجل لما استطاع ، قال تعالى :
والحمد لله رب العالمين