أسباب بطش فرعون:
لماذا يفعل فرعون هذا مع بني إسرائيل ويذلهم كل هذا الذل والظلم؟ يقولون لشيئين، لبشارة ولرؤية، أما البشارة فهي أن بني إسرائيل تناقلوا فيما بينهم أن سيدنا يوسف بُشر قبل أن يموت أن ابنًا من أبناء بني إسرائيل أي من أحفاده سيخرج ليزيل الظلم عن بني إسرائيل، يكسر الظلم ويرفع العدل، وبدأت هذه البشارة تنتقل إلى أن وصلت إلى فرعون.
وأما الرؤية فهي أنه قد رأي نارًا تخرج من بيوت بني إسرائيل متجهة إلى قصوره ومعابده حتى أبادته هو وجنوده، فاستيقظ قلقًا؛ فنادى الكهنة فأولوا هذه الرؤية وفسروها بأن غلامًا رضيعًا سيخرج من بني إسرائيل ويزيل ملكه، فبدأ يذبح الأطفال ويفعل كل هذا بسبب هذه البشارة وهذه الرؤية.
ولكن هناك أسبابًا أخرى، فإذا كانت هذه هي فقط الأسباب فمهمة سيدنا موسى صعبة ولكن ليست مستحيلة، ولكن الأسباب الأخرى والأشد هي أن بني إسرائيل دخلوا مصر ستين فردًا وسيخرجون ستمائة ألف، أعلى معدل تزايد سكاني في التاريخ، فخاف منهم فرعون خوفًا شديدًا، لأنهم كانوا مع الهكسوس بمعنى أن بني إسرائيل من الممكن أن يكونوا قوة مع الأعداء ضد مصر، فبدأ يذبح فيهم، قد تقول أنه كان على حق لأنهم سيحدثون خللًا في المجتمع، ولكن لا يمكن أن يكون هذا مبررًا يؤدي إلى مجازر وحشية، الظلم الشديد غير مبرر! فكانت النتيجة أن فرعون بدأ يقتل ويذبح من بني إسرائيل، وكل هذا يصعب من مهمة سيدنا موسى أكثر.
من هو فرعون؟
شيء آخر أود قوله، من هو فرعون؟ هذا الأمر فيه خلاف كبير، ولكن يجب في النهاية أن نختار ونرجح، وقد اخترنا بناءً على عدة أشياء، فمصر كانت عبارة عن أُسر، مصر كانت تُحكم في شكل أسر، الأسر القديمة ثلاثون أسرة، من أول أسرة مينا موحد القطرين حتى جاء الغزو الفارسي والإسكندر الأكبر وانتهت مصر القديمة وحضارة الفراعنة، خوفو وخفرع ومنقرع الذين بنوا الأهرامات كانوا من الأسرة الرابعة، الهكسوس كانوا في الأسرة الرابعة عشرة والخامسة عشرة والسادسة عشرة، هذا هو الوقت الذي دخل فيه سيدنا يوسف مصر، فكل الأسر التي كانت قبل ذلك ليس منها فرعون موسى، الوقت بين سيدنا يوسف وسيدنا موسى أربعمائة سنة، لذلك أتى سيدنا موسى في الأسرة التاسعة عشرة، ففرعون من حكام الأسرة التاسعة عشرة. حكام الأسرة التاسعة عشرة هم رمسيس الأول الذي حكم لمدة سنتين، ثم سيتي الأول الذي حكم لمدة عشرسنوات، ولكن قصة سيدنا موسى خمسة وخمسون سنة، الفرعون الوحيد الذي حكم لمدة سبع وستين سنة كاملة هو رمسيس الثاني، وهذا الرأي هو الغالب، وهو الوحيد الذي ادعى الألوهية بشكل واضح {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} (النازعات:24) وادعى أن الإله رع تمثل في أبيه وأصبح هو الإله رع وكتب هذا على المعابد.
ولقد بدأ رمسيس الثاني حكمه بشكل جيد، وقام بمعركة قادش التي انتصر فيها، ووسع مملكة مصر بقوة شديدة، لكنه تغير بعد ذلك وظلم وجحد وقتل وسجن بني إسرائيل في سجن كبير، فسيدنا إبراهيم ويعقوب ويوسف كان لهم حرية التحرك والتنقل، ولكن جاء فرعون بظلمه وقال لهم: ممنوع الخروج من مصر، لذلك قال سيدنا موسى؟ {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} (الشعراء:17) لماذا تسجنهم في هذا السجن الكبير؟ أليسوا ضيوفًا على مصر! اتركهم يخرجون من مصر.
ولكن فرعون ليس وحده، معه الكهنة كمؤسسة دينية، ومعه السحرة كمؤسسة إعلامية، ومعه هامان الذي يمثل القوة التنفيذية، ومعه القوة العسكرية المتمثلة في جنوده، وسيدنا موسى سيواجه كل ذلك. لذلك عندما وقف أمام فرعون للمرة الأولى وواجهه وقال له: {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} وليبلغه أن لا إله إلا الله، قال له فرعون: "أمعك جيش؟" قال: "لا" قال: "أمعك قوة؟" قال: "لا" فقال فرعون وهو يبتسم بسخرية: "أجئت وحدك؟" قال: "نعم" فضحك فرعون وخاف، ضحك لأن سيدنا موسى وحده، وخاف من قوة سيدنا موسى. تخيل سيدنا موسى يواجه فرعون وحده بلا حرس وفرعون بهذه القوة! ولكن سيدنا موسى معه الحق.
سيطرة وتعدد آلهة:
تخيل قوة فرعون الذي استطاع أن يسيطر على مساحة شاسعة من الأراضي، لقد اتسعت حدود مصر وصار لها أكبر مساحة من الأراضي في عهد الفراعنة؛ بسبب قوة رمسيس الثاني غير العادية، وسيقف سيدنا موسى وحده أمام من يملك ويسيطر على كل هذا المُلك! أي إخلاص هذا؟ وما هذه القوة الإيمانية؟!
كذلك تعددت أشكال الآلهة التي كان يعبدها المصريون في هذا الوقت، فمصر من جنوبها إلى شمالها كانت مليئة بكم كبير من الآلهة، ورغم كل ذلك ووسط كل هذه الأجواء سيدعو سيدنا موسى الناس لقول لا إله إلا الله! وكان من بين هذه الآلهة المقدسة عند المصريين الحيات والثعابين، لذلك عصا سيدنا موسى كانت تقلب إلى حية! كأن الرسالة تقول أن الإله الذي تعبده سيلتهمك! الحية التي هي رمز القوة عندكم ستلتهمك!
منزلة سيدنا موسى عند الله:
منزلة سيدنا موسى عالية عند الله، انظر إلى الآيات لكي تحبه، لأن من أهداف برنامجنا هو أن تحب سيدنا موسى، يقول الله تعالى {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} (طه:41) خلقتك وهديتك وجعلتك تنجو من القتل على يد فرعون وعلمتك لتكون خالصًا لي، تخيل إلى من يقول الله تعالى هذه الجملة؟ يقول له الله تعالى {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ..} (طه:13) أي تكريم هذا؟ وقال له هذا وهو في الأربعين من عمره، كأن الله يقول له بعد أن اختبرت صدقك وإخلاصك وشهامتك ومروءتك ونصرتك للضعيف وحبك لله وعملك للإيمان وتجردك وإخلاصك {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ..} تخيل وهو يسمع اسمه من الله! فهو كليم الله، تقول الآية: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى...} (الشعراء:10) أي شرف وتكريم هذا؟ سيدنا موسى شخص من ضمن بلايين البشر على كوكب من وسط ملايين الكواكب على مجرة من وسط ملايين المجرات، واختاره الله من وسط كل هذا الكون الهائل.
من محبته أيضًا أن يقول له الله: {...وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (طه:39) هل يمكن أن تصف لي إنسانًا قال له الله هذا؟ كيف يمكن أن يكون هذا الرجل؟ كم أتشوق لرؤية سيدنا موسى، كيف تكون شخصيته وابتسامته وقوته وإيمانه وثقته بالله؟
تخيل أننا نظل ندعو أن ينظر إلينا الله لحظة بعين الرضا في رمضان، فتخيل أن حياة سيدنا موسى بأكملها صنعت على عين الله! يقول الله تعالى { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} (طه:36) كل دعواتك مستجابة بلا تأخر للإجابة، لا ترد لك دعوة، فيدعو سيدنا موسى كثيرًا {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي } (طه:25-28) ويرد الله على كل هذا ويقول له {... قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ...} كأنه سؤال واحد.
منزلة سيدنا موسى عند النبي صلى الله عليه وسلم:
أتعلم كيف يحبه النبي صلى الله عليه وسلم؟ كان النبي دائمًا عندما يؤذيه أحد يقول: (رحم الله أخي موسى لقد ابتلي بأكثر من ذلك فصبر) كأن النبي يقول إن الذي يصبرني عليكم هو ما حدث لسيدنا موسى.
في مرة كان أحد الصحابة جالسًا مع أحد اليهود في المدينة يتحدثون، فأقسم اليهودي وقال: "لا والذي اصطفى موسى على العالمين"، فغضب الصحابي، وقال: "أتقول ذلك ورسول الله بيننا؟" ولطم اليهودي، فذهب اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره بما حدث، فاحمر وجه النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: ( لا تفضلوني على موسى، فإن الناسَ يُصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطِشًا بساقِ العرش، فلا أدري هل أفاق قبلي، أو كان ممن استثنى اللـه؟ ).
أمر النبي الصحابة أن يصوموا يوم عاشوراء وجعلها سُنَة من حبه لسيدنا موسى، عندما ذهب إلى المدينة سأل عن سبب صيام اليهود في هذا اليوم، فقالوا له أن هذا اليوم هو اليوم الذي نجى الله فيه سيدنا موسى من البحر، فقال: (نحن أحق بموسى منهم) فصاموا يوم عاشوراء حتى جاء صيام رمضان فجعله النبي سُنَة.
منزلة سيدنا موسى عند الصحابة:
لقد تربى الصحابة على قصة سيدنا موسى في القرآن، نزل القرآن في مدة ثلاث وعشرين سنة، فعندما يُتهم النبي أنه ساحر وكاذب تنزل سورة الشعراء تصبر النبي بأن سيدنا موسى قيل عليه كذلك. عندما تم إيذاء الصحابة وقتل منهم السيدة سمية، تنزل سورة طه أن سحرة فرعون حدث لهم كذا وكذا وصبر سيدنا موسى. عندما انتقل الصحابة إلى المدينة وبدأ تكوين أمة جديدة فتنزل سورة البقرة تذكر الأخطاء التي فعلها بنو إسرائيل، وكيف صبر سيدنا موسى عليهم وتعب معهم، فقصص سيدنا موسى كانت تثبت الصحابة.
فالله والنبي والصحابة يحبون سيدنا موسى، وسيدنا موسى يحب المسلمين والمؤمنين، فعندما أمر الله تعالى سيدنا محمد في رحلة المعراج بالصلاة خمسين صلاة نزل سيدنا محمد ولكن قال له سيدنا موسى: "ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق هذا" ويقولها له أربع مرات لأنه يحبنا ويحب هذه الأمة