* نسبه : سيدنا زكريا عليه السلام هو :زكريا بن برخيا بن مسلم بن صدوق بن حشبان بن داود بن سليمان بن مسلم بن صديقة بن
برخيا بن بلعطة بن ناحور بن شلوم بن بهناشاط بن إينامن بن رحبعام بن سليمان بن داود ..
* فضله ومكانته : كان زكريا عبداً تقياً نقياً واشتهر بعبادته وتقربه من المولي عز وجل وكان يؤم الناس علي العلم والصلاة والعبادة
وكان محبوباً من بني إسرائيل حباً شديداً وفى ذلك قول الحق تبارك وتعالي : وزكريا ويحيي وعيسي وإلياس كل من الصالحين ..
وسيدنا زكريا عليه السلام من فضله ومكانته كان صاحب الشرف فى تربية السيدة مريم أم عيسي عليه السلام وفى الأمر قصة هذه القصة
هي : القرعة لكفالة السيدة مريم كما قلنا : إن سيدنا زكريا عليه السلام اشتهر بالعبادة والصلاح فى وسط قومه وعندما انجبت زوجة
عمران عليه السلام بنتاً وسمتها مريم وكانت قد نذرت أن من ستلده ستهبه لخدمه بيت المولي عز وجل أراد سيدنا زكريا عليه السلام أن
يربي هذه الفتاة ويقوم بهذا العمل العظيم لوجه الله ، فتدخل من معه وقالوا : يازكريا أنت رجل صالح والكل يحترم كلامك فأنت نبي من
عند الله ، وأنت أكثرنا علماً وصلاحاً ، ولكن هذا العمل له أجر كبير وعظيم فدع لنا هذا الأمر حتي نحصل علي ثوابه .
فقال سيدنا زكريا عليه السلام : هذه الفتاة ، زوجتي خالتها والخالة بمنزلة الأم فأنا أولي الناس بتربيتها .
وهاج الجميع وأخيراً استقروا علي رأي واحد هذا الرأي هو إجراء القرعة والذي سيفوز بها هو من سيربي هذه الفتاة المباركة وينعم بهذا
الفضل العظيم .
وبالفعل تم إجراء القرعة وكان من فضل المولي عز وجل علي سيدنا زكريا عليه السلام أن فاز هو بالقرعة وكان تربية مريم من نصيبه
والقرعة كانت عبارة عن إلقاء القلم فى الماء فإن سار قلم إحدهم ضد حركة الماء كان هو الفائز وبالفعل ألقي الجميع أقلامهم فسار قلم
سيدنا زكريا عليه السلام ضد حركة الماء وفاز فى المرة الأولي ، فقال له القوم : لا سوف نعيد هذه القرعة مرة ثانية وأعاد القرعة
للمرة الثانية فسار أقلام القوم مع حركة الماء وسارت حركة قلم سيدنا زكريا عليه السلام ضد حركة الماء ، وغضب القوم وقالوا : لا
سوف نعيد هذه القرعة للمرة الثالثة والأخيرة .
وعندما أعادوا القرعة فاز سيدنا زكريا عليه السلام وهنا ارتضي الجميع بهذه القرعة وأحسوا أن هذه هي إرادة المولي عز وجل فلم
يعترضوا .
وأخذ سيدنا زكريا عليه السلام مريم واصطحبها إلي مكان شريف من المسجد لا يدخله سواها تربت فيه ونضجت وكانت لا تعرف أي شئ
سوي عبادة المولي عز وجل حتي أصبحت مثلا فى العبادة وأصبح قوم نبي الله زكريا عليه السلام يتحدثون عنها وعن عبادتها وتقواها فقد
كانت تصوم النهار وتقوم الليل وكبرت السيدة مريم وكبر سيدنا زكريا عليه السلام فى السن وعندما بلغت السيدة مريم سن الشباب أصبح
سيدنا زكريا عليه السلام شيخاً كبيراً ولكنه ظل يخدمها ويرعاها لأنه يعلم تمام العلم منزلتها وفضلها .
ولقد لاحظ سيدنا زكريا عليه السلام أشياءاً عجيبة منها : أنه كان يري فاكهة الصيف عند السيدة مريم موجودة أمامها فى فصل الشتاء
وكان يجد فاكهة الشتاء عند السيدة مريم فى الصيف .. فقال لها سيدنا زكريا عليه السلام : يامريم كيف تأتي فاكهة الصيف إليك فى
الشتاء ، وفاكهة الشتاء إليك فى الصيف ..
فقالت السيدة مريم : يانبي الله هي من عند المولي عز وجل فإن الله يرزق من يشاء بغير حساب وعندما أجابت السيدة مريم بهذه
الإجابة فكر زكريا عليه السلام أن يسأل ربه أن يعطيه الولد ، ونعم أراد سيدنا زكريا أن يرزقه الله الولد بعدما كبر سنه وهو محروم من
هذه النعمة وعندما رأي هذا الفضل الذي أحاط بالسيدة مريم فكر فى أن يسأل ربه فى هذا الفضل .
وفى ذلك قول الحق تبارك وتعالي :
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ .
هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء. فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ . قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء آل عمران 37-40 .
سأل سيدنا زكريا عليه السلام ربه ، وطلب منه أن يرزقه الولد ، ورغبة سيدنا زكريا عليه السلام فى الولد كانت لهدف . هذا الهدف
هو خدمة الدعوة والحفاظ علي نشر القيم والتعاليم الدينية .
ولنقرأ سوياً قول الحق تبارك وتعالي :بسم الله الرحمن الرحيم
كهيعص 1
ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا 2
إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا 3
قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا 4
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا 5
يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا 6 ... سورة مريم
ومعني هذه الآيات العظيمة أن سيدنا زكريا عليه السلام قد دعا المولي عز وجل أن يرزقه ولداً خاصة أنه قد كبر فى السن وكثر فى شعر رأسه الشعر الأبيض وهو يخاف علي
الدعوة والنبوة من الضياع والمقصود فى الميراث هنا هو ميراث النبوة والحكمة لا ميراث المال ، لأن الأنبياء لا يورث مالهم وفي هذا حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم
لا نورث ماتركنا فهو صدق .. نعم عندما يموت ويترك مالاً ، هذا المال يخرج صدقة ولا يرثه أهل هذا النبي .
وقد قال العلماء فى قول الحق تبارك وتعالي : يرثني ويرث من آل يعقوب .. أي يرث النبوة والحكمة واستدلوا علي ذلك بثلاثة أشياء :
1- حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم : لا نورث ماتركنا فهو صدقة فهذا نص علي علي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يورث ، ولهذا منع أبو بكر الصديق
رضي الله عنه صرف ماترك رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي ابنته فاطمه وأزواجه التسع وعمه العباس رضي الله عنه ، واحتج عليهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه
بهذا الحديث ، وقد وافقه علي روايته عن رسول الله صلي الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وطلحة والزبير ، وأبو هريرة رضي الله
عنهما .
2- وهناك حديث آخر وهو : نحن معاشر الأنبياء لا نورث .
3- أن الدنيا كانت أحقر عند الأنبياء من أن يكنزوا لها أو يلتفتوا إليها أو يهمهم أمرها حتي يسألوا الأولاد ليملكوها بعدهم .
4- أن زكريا عليه السلام كان نجاراً يعمل بيده ويأكل من عمل يده ، كما كان سيدنا داود عليه السلام يأكل من عمل يده ، وهذا هو الغالب علي حال الأنبياء العمل والأكل من عمل
اليد ، وعدم الإهتمام بتكوين الثروات أو جمع الأموال فهم لا يجتهدون فى جمع المال من أجل الغني والثروة ولكنهم يحصلون علي المال من أجل الأكل والشرب والإنفاق علي البيت
وإجتهادهم الأعظم فى عبادة المولي عز وجل والدعوة إليه ومن هذه الأشياء السابقة يتضح لنا أن طلب سيدنا زكريا عليه السلام الولد كان من أجل ميراث النبوة ونشر الدعوة إلي
المولي عز وجل ...
ولقد استجاب المولي عز وجل لهذه الدعوة ، ولقد جاء فى كتاب المولي عز وجل : هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء
فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ
قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء
قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ .. آل عمران 38-41
* الرد علي البشارة : رغم أن سيدنا زكريا عليه السلام قد سأل المولي عز وجل أن يرزقه الولد ، إلا أنه عندما بشرته الملائكة بالولد قال : كيف ستنجب زوجتي وهي
عاقر لا تنجب وأنا رجل كبير فى السن ليس لي القدرة علي الإنجاب ..؟ فقالت الملائكة : يانبي الله إن الله يفعل مايشاء .
نعم المولي عز وجل قادر علي كل شئ لا يعجزه شئ فهو خالق السماء والأرض ، خالق الشمس والقمر ، خالق الجبال والأنهار ، وهو الذي أوجدنا من العدم وهو المحيي وهو
المميت وهو الذي يجعل من الأخضر ناراً وهو القادر ، ومسألة إنجاب زوجتك أمر سهل ويسير ..
* مواصفات هذا الولد : أراد سيدنا زكريا عليه السلام الولد ، لعدم صلاحية أحد من القوم المحيطين به القيام بوعظ العباد وإرشادهم إلي حفظ آداب الدين والتمسك بهديه
المتين .
جاءته البشارة من الله بمواصفات هذا الولد وقد جاء فى كتاب الله : فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ .. آل عمران 39 ..
وهذه المواصفات هي مصدقاً بكلمة من الله أي : أن ابنك سوف يبشر الناس ويصدق علي دعوته عيسي عليه السلام .
وسيداً : أي سيسود قومه ويفوقهم وحصوراً أي أنه لن يقرب النساء ليس عن عجز فهو عفيف زاهد يجتهد فى الطاعة لله ويعرض عن الشهوات والملذات مع وجود قدرته
ونبياً من الصالحين أي أن هذا الولد سيكون نبياً فى قومه وهو صالح تقي فى زمره أهل التقوي والصلاح .
ومعني كلمة يحيي : كلمة يحيي كلمة عربية مأخوذة من كلمة عبرانية وهو يوحنا نعم فسيدنا يحيي ترجمة عربية لأصل نعمة الرب .
نعم فقد كان سيدنا يحيي عليه السلام نعمة من الله أنعمها علي عبده زكريا عليه السلام وبعد هذه البشري العظيمة طلب زكريا عليه السلام من ربه أن يعطيه دلالة علي حدوث حمل
امرأته .
فقالت له الملائكة : آية حدوث الحمل أنك ستفقد النطق ثلاثة أيام لن تستطيع فيها الحديث مع الناس ، إلا عن طريق الإشارة باليد ، ويا زكريا أذكر الله كثيراً وسبحه وتذكر
دائماً هذه النعمة العظيمة .
وفى ذلك قول الحق تبارك وتعالي : فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ
قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء
قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ .. آل عمران 39-41
ومعني كلمة العشي : أي آخر النهار وقال بعض العلماء العشي أيضاً علي مابين زوال الشمس والغروب .
والإبكار : من صلاة الفجر إلي طلوع الشمس وآخر مواصفات سيدنا يحيي عليه السلام الذي وهبه الله لسيدنا زكريا عليه السلام ماجاء فى قول الحق تبارك وتعالي :
وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا
وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا
وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا .. مريم 13-15 .
أي أنه عطوفاً باراُ بوالديه ذو مكانة عالية عند المولي عز وجل .
* موت سيدنا زكريا عليه السلام : اطمأن زكريا عليه السلام بعدما كبر ابنه يحيي عليه السلام ، ورأي زكريا من ابنه الصلاح والرشاد والإجتهاد فى الدعوة إلي دين المولي
عز وجل ففرح لذلك وشعر أن هناك من سيقوم بخدمة الدعوة إلي دين المولي عز وجل من بعده .
ومات زكريا عليه السلام قبل أن يبعث المولي عز وجل عيسي بن مريم عليه السلام نبياً ....
تمت بحمد الله .. كتبت للفائدة والعظة ..