الحب في الله 2
بِسْمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الحشر9
أيها الأخوة المؤمنون :
1. روى أبو داود عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ "
تحب المؤمن وإن كان فقيراً ، تحب المؤمن ولو كان ضعيفاً تتبرأ من الكافر و المنافق ولو كان قوياً ولو كان غنياً فأنت لست مؤمناً ، بل إن الحب في الله والبغض في الله هو الذي يذيقك حلاوة الإيمان .
أحياناً الإنسان يجد في الطريق أحد إخوانه ينتعش ، في مكان كأنه وجد نفسه ، كأنه وجد روحه ، هذه من علامة الإيمان ، من علامة صدق الإيمان ، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام يجعل من الحب عملاً ما تفسير ذلك ؟ ما قال أفضل المشاعر الحب في الله ، ما قال أفضل أحوال القلب ، قال : " ... أَفْضَلُ الأَعْمَالِ ... "
هذه تحتاج إلى وقفة متأنية ، لو قال أفضل المشاعر واضحة هناك مشاعر كثيرة أفضلها أن تحب في الله ، هناك أحوال تعتري القلب كثيرة أفضلها أن تحب في الله ، أما يقول عليه الصلاة والسلام " ... أَفْضَلُ الأَعْمَالِ ... "
قال شراح الحديث : من لوازم الحب في الله أن تحب أولياءه ، أو أن تحب النبي عليه الصلاة والسلام ، وأن تحب أصحابه ، وأن تحب أولياءه ، من لوازم الحب . وهذه النقطة دقيقة جداً فصل بها بعض العلماء ، قال : هناك حب في الله ، وحب مع الله ، الحب في الله عين التوحيد والحب مع الله عين الشرك .
كلمة واحدة بين أن تحب في الله وبين أن تحب مع الله ، من لوازم الحب في الله أن تحب النبي وأصحابه ، وأن تحب صالح المؤمنين ، وأن تحب أولياء الله الصالحين ، وأن تحب أي مؤمن أي مؤمن
في أي مكان المؤمن يجب أن تحبه ، ويجب أن تعاونه ، ويجب أن تمنحه ودك ، ومعاونتك ، على كل كيف جعل النبي عليه الصلاة والسلام الحب في الله عملاً ؟ قال : من لوازم الحب في الله أن تحب أولياء الله ، ومن لوازم أن تحب أولياء الله أن تقتفي أثرهم فهذا الحب ينقلب إلى عمل ، الآن حينما تمتن علاقتك مع المؤمنين هذه العلاقة المتينة تنقلب إلى حب ، صار في علاقة متناوبة ، قال عنها علماء المنطق : هي علاقة ترابطية ، هناك في الإسلام بعض العلاقات الترابطية دقيقة جداً ، العمل الصالح يزيدك قرباً من الله والقرب من الله يحملك على العمل الصالح ، فبين القرب من الله والعمل الصالح علاقة ترابطية ، وبين الحب في الله وبين العمل الصالح علاقة ترابطية إنك إن ـ كيف تمتن علاقتك مع أخيك ؟ أن تسلم عليه ، أن تبتسم له ، أن تعينه إذا سألك العون ، أن تعوده إذا مرض ، أن تساعده إذا افتقر ، أن تقرضه إن استقرضك ، طبعاً يوجد حديث مشهور :
" أتدرون ما حق الجار ؟ إذا استعان بك أعنته ، وإذا استنصرك نصرته ، وإذا استقرضك أقرضته ، وإذا مرض عدته ، وإذا مات شيعته ... "
أنت إذا لبيت دعوته ، وسلمت عليه ، وبششت له ، وعدته إذا مرض ، وهنأته إذا أصابه خير ، وعزيته إذا أصابه شر ، أنت قمت بأسباب الحب في الله ، فالنبي سمى الحب في الله عمل لأنه تارةً ينقلب إلى عمل ، وتارةً يكون العمل سبيلاً له
يوجد نقطة دقيقة إنسان لا يبغض أحداً هذا منافق ، لابد من أن تبغض في الله ، إنسان يرتكب معصية أمامك لا يصلي يشرب الخمر أنت تحبه وتجامله ، ومستحيل ، قال : من أرضى الناس جميعاً فهو منافق . كما أنه لابد من أن تحب في الله لابد من أن تبغض في الله أنا لا أقول لابد أن تقاتل في الله ، أنا أقول لابد من أن تبغض إنسان ولو كان أقرب الناس إليك إذا كان مقيماً على معصية مصراً عليها ينبغي أن تبغضه ولو أعطاك بيتاً ، أساساً من علامات الحب في الله أن هذا الحب لا يتزعزع حينما الذي تحبه في الله يصل إليك منه أذى غير مقصود ، ومن علامة البغض في الله أن هذا البغض لا ينقلب إلى حب إذا نالك من هذا الذي أبغضته في الله خير ، أكثر الناس إذا إنسان أعطاهم شيء يعبدونه من دون الله ، وإذا حجب عنهم شيئاً يتهمونه بالكفر وهو من كبار المؤمنين ، يعني الذي يحبك لعطائك هذا لا يحبك هو يحب ما عندك ، والذي يبغضك لمنعك هذا لا يحبك في الأصل إنما كان يعلق الأمل على عطائك فلما خاب ظنه أبغضك هذه علاقات مادية بين الناس . " روى أبو داود عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ ، قَالَ : هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَلا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ لا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ وَلا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ وَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) "
رواه الإمام احمد :
... قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ "
الصحابة الكرام الذين فتحوا العالم وهم عشرة آلاف شخص ، والله شيء لا يصدق ، ولكن بحبهم ، هل من الممكن سيدنا خالد بن الوليد يطلب نجدة من سيدنا الصديق ؟ طبعاً هو كان معه ثلاثين ألف والفرس كانوا مائة وثلاثون ألف فطلب مدد ، سيدنا الصديق كم يرسل له ؟ إنسان عنده ثلاثين واجه مائة وثلاثين يجب أن يرسل له ثلاثين ألف ، وإذا بسيدنا الصديق يرسل له واحد ، واحد ! القعقاع بن عمرو ، وصل إلى عنده ، نظر إليه سيدنا خالد قال له : أين المدد ، قال : أنا ، قال له : أنت المدد ، معه كتاب من سيدنا الصديق فتحه ، طبعاً بعد السلام والكلام ... قال له : يا خالد لا تعجب أن يكون القعقاع هو المدد فو الذي نفس محمد بيده إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم . وفعلاً لم يهزم وانتصر ، ما هذا الحب .
يعني هل من الممكن جيش طويل عريض فيه صحابة كبار كسيدنا عمر ، وعثمان ، وعلي ، يكون قائده شاب في السابعة عشر من عمره ، ممكن ؟ ما هذا النظام ، سيدنا أسامة بن زيد قائد جيش راكب الناقة وسيدنا الصديق يمشي بركابه ، قال له : والله يا خليفة المؤمنين لتركبن أو لأنزلن ، شيء فوق طاقتي ، قال له : ما علي والله لا ركبت ولا نزلت ، وما علي أن تغبر قدماي ساعة في سبيل الله ، ممكن ؟
ممكن سيدنا الصديق يأتي إلى سيدنا عمر يقول له : مد يدك لأبايعك ، سيدنا الصديق أول إنسان بعد رسول الله يطلب من عمر أن يبايعه خليفةً ، يقول له سيدنا عمر : أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إن كنت أميراً على قوم فيهم أبو بكر ، هذه فوق طاقتي ، فقال له : لكنك أقوى مني يا عمر ، قال له : ولكنك أفضل مني ، ما الحل؟ قال له : قوتي إلى فضلك نتعاون .
الله لا يحبنا أن نتقاتل لا يحبنا أن نتشاتم لا يحبنا أن نتهم بعضنا هذا أشرك وهذا كفر . روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ "
أَهْلَكُهُمْ ، أي أشدهم هلاكاً ، أَهْلَكَهُمْ هو وصفهم بأنهم هلكى هم ليسوا هلكى .
و روى اللامام مالكعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ قَال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الْغِلُّ وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا وَتَذْهَبِ الشَّحْنَاءُ "
معنى تهادوا أي قدم له هدية ويقدم لك هدية ، سبحان الله في أدوية ناجعة ولكن الناس لا ينتبهوا لها ، " روى مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم :
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ ... "
هذه حكمة بالغة ، ذبوا أي دافعوا عن أعراضكم بأموالكم ، حديث آخر" روى مسلم يقول عليه الصلاة والسلام :
" عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ بَيْنَمَا أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجَانِ مِنَ الْمَسْجِدِ فَلَقِيَنَا رَجُلٌ عِنْدَ سُدَّةِ الْمَسْجِد ... فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْدَدْتَ لَهَا ، فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتَكَانَ ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صِيَامٍ وَلا صَلاةٍ وَلا صَدَقَةٍ وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ