- القراءاتُ المتواترةُ:
وهي عبارة عن اختلاف الكيفيات في تلاوة اللفظ القرآني المنزل على سيدنا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- ونسبتها إلى قائليها المتصلِ سندهم برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ولزيادة الإيضاح يجب معرفة المصطلحات الآتية1.
ـــــــ
1 انظر: كتاب القراءات المتواترة، ص34، 35، للدكتور: محمد رشاد خليفة.
(1/24)
________________________________________
القِرَاءَةُ:
ويريدون بها الاختيار المنسوب لإمام من الأئمة العشرة بكيفية القراءة للَّفظ القرآني على ما تلقَّاه مشافهة متصلا سنده برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فيقولون مثلا: قراءة عاصم، قراءة نافع وهكذا.
الرِّوَايَةُ:
ويريدون بها ما نسب لمن روى عن إمام من الأئمة العشرة من كيفية قراءته للَّفظ القرآني، وبيان ذلك أن لكلٍ من أئمة القراءة راويين، اختار كل منها رواية عن ذلك الإمام في إطار قراءته، قد عرف بها ذلك الراوي ونسبت إليه فيقال مثلا: رواية حفص عن عاصم، رواية ورش عن نافع، وهكذا.
الطَّرِيقُ:
وهو ما نسب للناقل عن الراوي وإن سَفَلَ كما يقولون: هذه رواية ورش من طريق الأزرق.
(1/25)
________________________________________
4- الأحرفُ السبعةُ ونزولُ القرآنِ بها:
لقد تواتر عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فقد ثبت عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويَزَيدُني حتى انتهى إلى سبعة أحرف" 1.
ومعنى "أستزيده" أي: أطلب من جبريل أن يطلب من الله -عز وجل- الزيادة عن الحرف تخفيفًا على الأمة ورحمة وتوسعة عليها، حتى انتهى إلى سبعة.
ـــــــ
1 رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن، انظر: فتح الباري، "ج: 9، ص23" رقم4991، كما رواه مسلم، في باب: أن القرآن على سبعة أحرف، واللفظ للبخاري.
(1/25)
________________________________________
كما ثبت أن الْمِسْوَرَ بن مَخْرَمَة وعبد الرحمن بن عبدٍ القاري سمعا عمر بن الخطاب يقول: سمعتُ هشامَ بنَ حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلَّم، فلبَّبته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقلتُ: كذبت فإن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قد أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أَقُوده إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقلت: إني سمعتُ هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: "أرسله، اقرأ يا هشام" ، فقرأ عليه القراءةَ التي سمعتُهُ يقرأ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: "كذلك أنزلت" ، ثم قال: "اقرأ يا عمر" ، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: "كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعةِ أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه" 1.
وقد اختلفوا في المراد بالأحرف السبعة اختلافًا كثيرًا، والذي يرجحه المحققون من العلماء مذهبَ الإمامِ أبي الفضل الرازي وهو: أن المراد بهذه الأحرف الأوجه التي يقع بها التغاير والاختلاف، وهي لا تخرج عن سبعة:
الأول: اختلاف الأسماء في الإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث مثل قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} 2 قُرِئ لفظ "مسكين" هكذا بالإفراد، وقرئ "مساكين" بالجمع، ومثل قوله تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} 3 وقُرِئ هكذا بالتثنية، وقرئ "إخْوتكم" بالجمع،
ـــــــ
1 أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب: أنزل القرآن على سبعة أحرف"، انظر: فتح الباري "ج: 9، ص23، ح 4992"، كما رواه مسلم بلفظ آخر في باب: بيان أن القرآن أنزل على سبعة أحرف، ومعنى "أساوره": أقاتله وأواثبه، ومعنى "فلببته بردائه" أي جمعت عليه رداءه عند لَبَّتِه حتى لا يفلت مني، وفي هذا دليل على ما كانوا عليه من الشدة في المحافظة على القرآن كما سمعوه من الرسول صلى الله عليه وسلم.
2 سورة البقرة: آية 184.
3 سورة الحجرات: آية 10.
(1/26)
________________________________________
ومثل قوله تعالى: {وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} 1 قُرِئ هكذا: بياء التذكير، وقُرِئ "تقبل" بتاء التأنيث.
الثاني: اختلاف تصريف الأفعال من ماضٍ ومضارع وأمر، نحو قوله تعالى: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} 2، قُرِئ هكذا على أنه فعل ماضٍ، وقرئ "يَطَّوَّعْ" على أنه فعل مضارع مجزوم، وكذلك قوله تعالى: {قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} 3 قُرِئ هكذا على أنه فعل ماضٍ، وقرئ "قُلْ" على أنه فعل أمر.
الثالث: اختلاف وجوه الإعراب، نحو قوله تعالى: {وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} 4، قُرِئ بضم التاء ورفع اللام على أن "لا" نافية، وقرئ بفتح التاء وجزم اللام على أن "لا" ناهية.
الرابع: الاختلاف بالنقص والزيادة كقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} 5 قُرِئ هكذا بإثبات "الواو" قبل "السين"، وقرئ بحذفها.
الخامس: الاختلاف بالتقديم والتأخير كقوله تعالى: {وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا} 6 وقُرِئ هكذا بتقديم "وقاتلوا" وتأخير "وقتلوا"، وقُرِئ بتقديم "وقتلوا" وتأخير "وقاتلوا".
السادس: الاختلاف بالإبدال أي جعل حرف مكان آخر، كقوله تعالى: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ} 7 قُرِئ هكذا بتاء مفتوحة فباء ساكنة، وقرئ بتاءين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة "تَتْلُوا".
السابع: الاختلاف في اللهجات، كالفتح والإمالة، والإظهار والإدغام، والتسهيل والتحقيق، والتفخيم والترقيق، وكذا يدخل في هذا النوع الكلمات التي اختلفت فيها لغة القبائل نحو: "خُطُواتِ" تقرأ بتحريك الطاء بالضم، وتقرأ بتسكينها، ونحو: "بُِيوت" تقرأ بضم الباء وتقرأ بكسرها8.
ـــــــ
1 سورة البقرة: 48.
2 سورة البقرة: 184.
3 سورة الأنبياء: 4.
4 سورة البقرة: 199.
5 سورة آل عمران: 133.
6 سورة آل عمران: 190.
7 سورة يونس: 30.
8 انظر: كتاب "الوافي" للشيخ القاضي، ص7