فى شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة أعلن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه خارج لغزو الروم ,وأمر الناس أن يتجهزوا للخروج معه ,غازين فى سبيل الله كان الوقت صيفاً
والحرارة شديدة ,والناس فى المدينة في المدينة فى حالة عسر وضيق من العيش ...
وكانت ثمار المدينة علي وشك أن تنضج ,والناس يحبون أن يبقوا لجني ثمارهم والاستمتاع بها , ويفضلون البقاء فى الظل والراحة علي السفر وملاقاة الأعداء فى الحر والجوع
أما المؤمنون فأطاعوا الله ورسوله وأسرع كل منهم يعد سلاحه ودابته التي سيسافر عليها والطعام الذي سيأخذه معه فى رحلته الطويلة الشاقة ..
وأما المنافقون فقد أخذ كل منهم يختلق العذر الذي يمنعه من الخروج للغزو فى سبيل الله وأخذ بعضهم يشجع بعضاً علي القعود فى المدينة وعدم الخروج فى الحر ..
وذهب المنافقون واحد وراء الآخر إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم يبدون له الأعذار ويطلبون منه أن يأذن لهم فى البقاء وعدم الخروج معه فأذن لهم ..
وكان المؤمنين رجال كثيرون يحبون الخروج للغزو فى سبيل الله لكنهم فقراء لا يجدون سلاحاً ولا طعاماً ولا حتي دابة يركبونها فذهبوا إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم يعرضون عليه
حالهم ويطلبون منه أن يجد لهم مايحملهم عليه ..
ودعا رسول الله صلي الله عليه وسلم المسلمين إلي التصدق فى سبيل الله لتجهيز الجيش بالسلاح والدواب والطعام حتي يجد الفقراء المعدمون مايركبونه وسارع أغنياء المسلمين
بالتصدق بأموالهم وبعضهم اشتري السلاح أو الطعام أو الدواب للجيش ..
وتصدق عثمان بن عغان رضي الله عنه بألف دينار ومائتي بعير مجهزة للغزو فى سبيل الله فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راضٍ ..
وتصدق أبو بكر وعمر وعبد الرحمن ابن عوف وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم ووجد رسول الله صلي الله عليه وسلم الزاد والسلاح لعدد كبير من الفقراء فخرجوا معه للغزو
فى سبيل الله ولكن بقي أناس لم يجد لهم رسول الله صلي الله عليه وسلم مايحملهم عليه فاضطروا للبقاءفى المدينة وأعينهم تفيض بالدمع حزنا علي عدم فدرتهم على الخروج فى سبيل الله
وتخلف عن الخروج مع رسول الله صلي الله عليه وسلم ثلاثة من المؤمنين الصادقين بدون عذر ولا سبب مقبول وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال ابن امية رضي الله عنهم وهؤلاء
سوف نعود الى قصتهم فيما بعد ..
وتخلف صحابيان جليلان ثم لحقا بجيش رسول الله صلي الله عليه وسلم فى الطريق وهما أبو خيثمة و أبو ذر الغفاري رضي الله عنهم
أما أبو خيثمة رضي الله عنه فقد رجع الى بيته بعد عدة أيام من رحيل جيش رسول الله صلي الله عليه وسلم عن المدينة ..
كان اليوم شديد الحرارة وكان لـ أبي خيثمة رضي الله عنه زوجتان فوجد كل واحدة منهما قد رشت فناء الدار بالماء حتي تلطف من حرارته وأعدت له ماء بارداً وطعاماً شهياً فوقف أبو خيثمة
ينظر إلي ما أعدت له زوجتاه وقال : رسول الله صلي الله عليه وسلم فى الشمس والريح والحر وأبو خيثمة مقيم فى ظل بارد وطعام شهي وزوجتين حسناوين ؟! ليس هذا بالعدل
والله لا أدخل دار واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلي الله عليه وسلم ..
وطلب أبو خيثمة رضي الله عنه من زوجتيه أن تعدا له زادا للسفر ثم ركب ناقته وانطلق ليلحق بجيش رسول الله صلي الله عليه وسلم ...
فلما اقترب أبو خيثمة رضي الله عنه من جيش رسول الله صلي الله عليه وسلم صاح بعض الناس : هذا راكب مقبل علينا يارسول الله ...
فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : كن أبا خيثمة
لما اقترب أبو خيثمة رضي الله عنه أكثر عرفه الناس وصاحوا : هو أبو خيثمة يارسول الله .. هوو أبو خيثمة ولما سلم أبو خيثمة على رسول الله صلي الله عليه وسلم وأخبره عن
تأخره ,دعا له رسول الله صلي الله عليه وسلم بخير ..
ومضي جيش رسول الله صلي الله عليه وسلم قاصداً الشام ليغزو الروم .. وفى الطريق نفد الماء من الناس غأصبحوا وليس معهم ماء للشرب أو للوضوء فشكوا حالهم إلي رسول الله
صلي الله عليه وسلم , فدعا رسول الله صلي الله عليه وسلم ربه ,فأرسل إليهم سحابة أمطرت مطراً غزيراً فشرب الناس وسقوا دوابهم وملئوا قربهم بالماء .. فقال أحد المنافقين
المندسين فى الجيش : كانت سحابة تمر بالصدفة فأمطرت , وفى الطريق ضلت ناقة رسول الله صلي الله عليه وسلم ,فخرج أصحابة يبحثون عنها فقال أحد المنافقين : يزعم محمد
أنه نبي ,ويخبركم عن خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته ؟!
فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : إن رجلا قال : هذا محمد يخبركم أنه نبي ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء , وهو لا يدري أين ناقته ؟! وإني والله ماأعلم إلا ماعلمني الله
وقد أدلني الله عليها وهي فى هذا الوادي فى شعب كذا وحدد لهم رسول الله صلي الله عليه وسلم مكان الناقة , فانطلقوا اليها وأحضروها ..
ومضي رسول الله صلي الله عليه وسلم بالجيش فأخذ يتخلف عنه الرجل فيقول له أصحابه :يارسول الله تخلف فلان
فيقول صلي الله عليه وسلم : دعوه فإن يك فيه خير , فسيلحقه الله تعالى بكم وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه
حتي قال الناس : يارسول الله تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره
فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم :إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ..
ولما أبطأ بـ أبي ذر رضي الله عنه بعيره نزل عنه وحمل متاعه على ظهره وسار ماشياً , وحتي يلحق برسول الله صلي الله عليه وسلم , ورآه رجل من المسلمين عن بعد فقال :
يارسول الله هذا رجل يمشي على الطريق وحده ..
فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم :كن أبا ذر .. فلما اقترب أبو ذر رضي الله عنه أكثر عرفه الناس فقالوا : يارسول الله هو أبو ذر ..
فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده ..
واصل جيش رسول الله صلي الله عليه وسلم سيره نحو تبوك فأخذ بعض المنافقين يتحدثون إلي بعض ويتغامزون على المسلمين ويخوونهم من لقاء الروم وقال بعضهم :أتحسبون قتال الروم
مثل قتال العرب بعضهم بعضاً ؟! غداً نراكم مقيدين فى الحبال وقد وقعتم أسري فى أيدي الروم ..
ولما وصل جيش رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي تبوك نزل بها , وأقام رسول الله صلي الله عليه وسلم هناك عشرين يوماً ينتظر ظهور جيش الروم وقدومهم لقتالهم ,فلم يظهر لهم أثر
وعلم حاكم إيلة وهو يحنة بن رؤية بقدوم جيش المسلمين إلي تبوك فخاف من غزوهم لبلده وجاء إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وعقد معه صلحاً ودفع له الجزية صاغراً وكتب له رسول
الله صلي الله عليه وسلم عهد الصلح والأمان ..
كما جاء أهل جرباء وأهل أذرح إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فأعطوه الجزية وكتب لهم عهد الصلح والأمان ..
وأرسل رسول الله صلي الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه إلي أكيدر بن عبد الملك ملك كندة النصراني وطلب منه أن يأتي به وقال له :إنك ستجده يصيد البقر ..
وذهب خالد إلي كندة لإحضار الرجل .. وفى تلك الليلة كان القمر ساطعاً , وكان أكيدر فى شرفه قصره فرأى البقر الوحشي تحك بقرونها باب القصر فركب فرسه وخرج مع حراسه
يطاردون البقر ليصيدوه فقابلهم خالد رضي الله عنه ومن معه من الجند , وقبضوا على أكيدر وقادوه الى رسول الله صلي الله عليه وسلم , فصالحه على دفع الجزية واطلق سراحه
ولما انتهي مقام رسول الله صلي الله عليه وسلم بـ تبوك انصرف بالجيش عائداً الي المدينة .. وكان بالطريق ماء يخرج من جبل بواد يسمي وادي المشقق وهو ماء قليل ولا يروي عطش
رجل أو رجلين فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : من سبقنا إلي ذلك الوادي , فلا يستقين منه شيئاً حتي نأتيه ..
فسبق إلي الماء بعض المنافقين وشربوا الماء كله فلما وصل إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم نظر إلي الماء فلم يجد منه شيئاً فقال :
من سبقنا إلي هذا الماء ؟!
فقال بعض الصحابة : فلان وفلان .. فغضب رسول الله صلي الله عليه وسلم , ثم نزل فوضع يده على الموضع الذي تأتي منه قطرات الماء بالجبل ,فأخذ فى يده بضع قطرات ,
ودعا الله ثم مسح به موضع الماء فتفجر الماء غزيراً كالشلال فشرب الناس كلهم وسقوا دوابهم وأخذوا معهم مايكفيهم للسفر وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم :
لئن بقيتم أو من بقي منكم لتسمعن بهذا الوادي وهو أخصب مابين يديه وماخلفه .
رسول الله صلي الله عليه وسلم أن سوف يفيض بالوادي حتي يكثر به الزرع ويصير واحة خضراء..
ولما وصل رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي المدينه دخل مسجده وصلي ركعتين لله ثم جلس فجاءة دخل المنافقون الذين تخلفوا عن الخروج للغزو معه وأخذوا يعتذرون له ويحلون له
كدباً أنهم تخلفوا لأعذار قاهرة خارجة عن إرادتهم وهي التي منعتهم من الخروج معه , وأخذوا يطلبون من النبي صلي الله عليه وسلم أن يقبل أعذارهم ويستغفر لهم ,فقبل رسول الله صلي
الله عليه وسلم منهم علانيتهم وأعذارهم وصفح عنهم ولم يقبل أعذارهم الكاذبة
وجاء المؤمنون الثلاثة الذين تخلفوا عن الغزو معه وهم : كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية رضي الله عنهم فلم يكلمهم رسول الله صلي الله عليه وسلم وأمر المسلمين ألا
يكلموا أحداً منهم ..
تري لماذا فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم ذلك ولماذا أمر المسلمين باعتزالهم وعدم الحديث إليهم ؟!