بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين
الذي لا يبلغ مدحته القائلون, ولا يحصي نعمه العادون, ولا يودي حقه المجتهدون, الذي لا يدركه بعد الهمم, ولا يناله غوص الفطن, ليس لصفته حد محدود, ولا نعت موجود, ولا وقت معدود, ولا أجل ممدود, فطر الخلائق بقدرته, ونشر الرياح برحمته, ووتد بالصخور ميدان أرضه
وصلى الله على سيد الأنبياء وخاتم المرسلين, العبد المؤيد أبي القاسم المصطفى محمد, وعلى آله وصحبه الغر الميامين
يحصل الإنسان على الحياة السعيدة لأمور وأسباب متنوعة, منها الدينية ومنها الطبيعية ومنها العملية والتي لا يمتلكها جميعها إلا المؤمنين المتقين, وإن امتلكها غيرهم فستكون ناقصة لا محالة.
الإيمان والعمل الصالح الخالص لله يُثََبت قلب المؤمن عند المصائب ويهونها عليه, لأن الله سبحانه وتعالى يُطمْئِن قلوب المؤمنين عند الشدائد فتهون عليهم ويسهل صبرهم عليها, ويشكرون الله على خيراته فيزداد إيمانهم بعكس الكفار, حيث يهلعون عند المصائب ولا يمتلكون الصبر الإيماني من الله تعالى فيعيشون بين خوف وجزع.
وإحسان المخلوق لغيره من الخلق يعطيه نوعا من الراحة والطمأنينة, وللعبد المؤمن النصيب الأكبر من هذه الراحة, حيث إن الله تعالى يحب أن يرى العبد يساعد غيره من العباد لوجهه عز وجل, كما أن العمل الصالح في العلوم النافعة تلهي الإنسان عما يضيقه في الحياة الدنيا وتعطيه دافعا للحياة وتزيد إيمانه بالله جل جلاله, ولكن يجب عليه أن يركز على عمل اليوم وإتقانه, حتى لا يخاف من المستقبل القريب أو البعيد ولا يحزن على ماضيه فيسيطر عليه القلق والعجز, ويجب أن يكون العبد مؤمنا بقدر الله تعالى ومشيئته.
ومما يساعد على طمأنينة القلوب وراحتها من الهم والغم ذِكر الله تعالى في كل الأوقات, وبشتى الحالات من الأفراح والأحزان, فبذكره جل وعلا تطمَئِن القلوب, والتحدث بالنعم الكثيرة لله تعالى والتي لا تحصى يعطي راحة البال ويؤنس النفوس, وأيضا رؤية العبد للناس الأسفل منه تعطيه دافع لشكر الله على نعمه عليه وتشجعه على العمل الصالح فتبعد عنه الهموم وتوجب عليه الفرح والسرور.
والسعي وراء الأمور الخيرة المصاحبة للسعادة والابتعاد عن الأمور السيئة المصاحبة للهموم من أهم عوامل تحصيل السعادة, والتفكر في الأمور الحسنة والتوجه إليها يزيد من راحة البال, كما أن الدعاء لله بنية صادقة صافية تقلب أحزان المؤمن أفراحا وتزيده سرورا, كما أن السعي في تخفيف الهموم يصاحبه السعي في جلب المنافع ودفع الأضرار.
وقوة قلب المؤمن في تحمل الانفعالات وصبره على المصائب تبعده عن الانهيارات النفسية الجالبة للأمراض البدنية والصحية وغيرها, والتوكل على الله والاعتماد عليه وتقبل كل ما هو منه بشكر وإيمان صادق يساعد في تيسير الأمور الصعبة, كما أن أهم ما يساعد في الحصول على الحياة السعيدة هو التطلع في الأمور الحسنة في الشخص ونسيان عيوبه, فبذلك يزول القلق وتنتشر المحبة والألفة بين الناس.
وأخيرا فإن الحياة الصحيحة التي يدركها العاقل تشمل السعادة والطمأنينة, ولكونها قصيرة جدا فلا يجب أن تُهدر بالهم والحزن, وعند المصائب يجب على المؤمن أن يقارن بين هذه المصائب وبين نعم الله الكثيرة عليه, فلا يجعل للهم مدخلا إلى القلب, ولا يهتم لأقوال الناس الخاطئة والسيئة, لأنها إن كانت ستضر بأحد فإنها ستضر بالمحدث بها وقائلها وليس المتحدث عنه, وهو بدوره يجب عليه أن يرد عليهم بالإحسان, ولا يتأمل الشكر ممن ساعدهم ووقف بجانبهم, ويجب عليه أن يتسارع في أعمال اليوم ولا يؤجلها حتى يتفرغ للمستقبل, ويبدأ متوكلا بالله تعالى في إنهاء الأعمال الأهم فالأهم.
الجمعة يونيو 25, 2010 8:21 pm