بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين
الذي لا يبلغ مدحته القائلون, ولا يحصي نعمه العادون, ولا يودي حقه المجتهدون, الذي لا يدركه بعد الهمم, ولا يناله غوص الفطن, ليس لصفته حد محدود, ولا نعت موجود, ولا وقت معدود, ولا أجل ممدود, فطر الخلائق بقدرته, ونشر الرياح برحمته, ووتد بالصخور ميدان أرضه
وصلى الله على سيد الأنبياء وخاتم المرسلين, العبد المؤيد أبي القاسم المصطفى محمد, وعلى آله وصحبه الغر الميامين
الباب الخامس: في الإيمان باليوم الآخر
الفصل الأول: الإيمان باليوم الآخر
والمقصود به هو يوم القيامة, يبدأ من الموت وينتهي ما لا نهاية له, والإيمان به هو الركن الخامس من أركان الإيمان, ويكون بالتصديق بكل ما هو بعد الموت, ومن أدلة البعث في القرآن الكريم الإماتة ثم الإحياء في الدنيا, والنشأة الأولى, وخلق السماوات والأرض, والبعث بتنزيه النفس المقدسة عن العبث.
الفصل الثاني: الإيمان بأشراط الساعة
وهي العلامات التي تدل على اقتراب الساعة, فمنها الصغرى ومنها الكبرى, وتنقسم الأشراط من حيث ظهورها إلى ثلاثة أقسام, الأول هو ما ظهر وانقضى ويعتبر من الأشراط الصغرى كبعثة النبي وموته, والثاني هو ما ظهر ولا يزال يتتابع ويعتبر أيضا من الأشراط الصغرى ككثرة الجهل والزنى وشرب الخمر, أما القسم الثالث فهو ما لم يظهر حتى الآن وهو من الأشراط الكبرى.
ومن هذه الأشراط الكبرى ظهور المهدي الذي هو من أهل بيت النبي والذي سيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا, وخروج الدجال صاحب أعظم الفتن منذ الخلق, ونزول عيسى وخروج يأجوج ومأجوج, وخروج الدابة عندما يكثر الشر ويعم الفساد فتخاطب الناس, والخسوفات الثلاثة بالمشرق وبالمغرب وبجزيرة العرب, وطلوع الشمس من مغربها حتى يؤمن الناس جميعا باليوم الآخر, وأخيرا النار التي تحشر الناس والخارجة من قعر عدن.
الفصل الثالث: القيامة الصغرى والقيامة الكبرى
المبحث الأول: القيامة الصغرى
أولها الموت, والذي هو القيامة الصغرى, وهي وفاة كل شخص عند انتهاء أجله وانتقاله من الدنيا إلى الآخرة, أما القيامة الكبرى فهي الساعة, والموت يكون بقبض الروح من قبل ملك الموت وأخذها من قبل ملائكة الرحمة أو العذاب.
وثانيها الروح والنفس, وحقيقة الروح أنها عين قائمة بنفسها ليست جزء من البدن, تخرج روح المؤمن المقبل على الآخرة بسيلان كما تسيل قطرة السقاء وتبعث إلى الجنة, وتخرج روح الكافر فتنتزع كما ينتزع الفسود من الصوف المبلول وتبعث إلى النار, والروح ترادف النفس في المدلول وتختلف عنها في أن النفس تطلق على البدن والدم بخلاف الروح.
وثالثها فتنة القبر وعذابه ونعيمه, وهو ما بين الموت والبعث والمسمى بالبرزخ, وفيه سؤال الملكين ثم العذاب أو النعيم, وسؤال الملكين هو فتنة القبر واختبار للميت, حيث ترد له روحه فيسأل من قبل منكر ونكير عن إيمانه, وللروح بالبدن عدة أنواع بالتعلق, ويتفق أهل السنة والجماعة على أن النفس تنعم وتعذب منفردة عن البدن, ولعذاب القبر ونعيمه أدلة كثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية ولا مفر منه مهما كانت حالت البدن بعد الموت, وإن حال البرزخ هو من الغيوب وأن النار والخضرة ليست من الدنيا فلا يمكن لنا رؤيتها.
المبحث الثاني: القيامة الكبرى
تبدأ بالبعث والنشور, والبعث هو المعاد الروحاني والجسماني وإحياء العباد عند الميعاد, أما النشور فهو نشر الميت وعيشه بعد موته بنفخ الصور من قبل إسرافيل وبأمر من الله تعالى, والأدلة على البعث والنشور كثيرة في الكتاب والسنة ومن العقل والفطرة السليمة, حيث ذكرت أهوال القيامة من الشدائد الجسيمة المذيبة للأكباد, وتُجمع الخلائق في ساحة تعرف بعرصات القيامة.
ثم يأتي الحساب من رب العالمين, فيُذكر الخلائق بكل ما نسوه ويجري القصاص فيما بينهم, والحساب متفاوت من العسير إلى اليسير, ثم تأتي الصحائف المشتملة على أعمال المخلوقات في الدنيا, فيعطى المؤمن كتابه بيمينه والمشرك بشماله, وتوزن هذه الأعمال بميزان حقيقي له لسان وكفتان.
وثم يأتي تكريم النبي عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام بالحوض, ومن بعده المرور على الصراط, وهو الجسر الممدود على جهنم ويمر عليه الناس بسهولة أو صعوبة أو لا يمرون فيسقطون حسب أعمالهم.
ثم تأتي الشفاعة بإذن الله لأهل التوحيد, وشفاعة الرسول الأعظم وهي المقام المحمود الموعود, وشفاعته لأهل الجنة والتي لا تنفع المشركين, وأخيرا دخول الأبرار الجنة ودخول الفجار النار.