بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين
الذي لا يبلغ مدحته القائلون, ولا يحصي نعمه العادون, ولا يودي حقه المجتهدون, الذي لا يدركه بعد الهمم, ولا يناله غوص الفطن, ليس لصفته حد محدود, ولا نعت موجود, ولا وقت معدود, ولا أجل ممدود, فطر الخلائق بقدرته, ونشر الرياح برحمته, ووتد بالصخور ميدان أرضه
وصلى الله على سيد الأنبياء وخاتم المرسلين, العبد المؤيد أبي القاسم المصطفى محمد, وعلى آله وصحبه الغر الميامين
الباب السادس: الإيمان بالقضاء والقدر
الفصل الأول: تعريف القضاء والقدر
القضاء في اللغة هو الفصل والحكم, والقدر هو التفكير بسوية والتقدير, أما اصطلاحا فهما تقدير الله سبحانه للأشياء في القدر وعلمه بوقوعها في أوقات معلومة, والفرق بين الكلمتين هو أن القضاء يعتبر العلم السابق في الأزل وأن القدر هو الخلق على الأزل, وقد اختلف العلماء في عكس المعنى بين الاثنين.
الفصل الثاني: أركان الإيمان بالقضاء والقدر
تشمل أربعة أركان يكتمل الإيمان بها, الأول هو الإيمان بعلم الله تعالى الشامل المحيط, والثاني هو الإيمان بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ كل شيء, والثالث هو الإيمان بمشيئة الله تعالى الشاملة وقدرته النافذة, والرابع هو الإيمان بأن الله تعالى خلق كل شيء.
الفصل الثالث: أفعال العباد
مراتب القضاء والقدر هي العلم, والكتابة, والمشيئة والإرادة, والخلق كما سبق ذكرها بالأركان, العلم والكتابة أنكرها غلاة القدرية, والمشيئة والخلق أنكرها المعتزلة ومن تبعهم, واستقر الخلاف على هاتين المرتبتين (المشيئة والخلق) إلى عدة أقوال, أن العباد مجبورون على أعمالهم, أو أن أفعال العباد ليست مخلوقة بل عاملون بها, أما أهل السنة والجماعة فقد أقروا بجميع المراتب الأربعة, وأن العبد يفعل بقدرته واختياره بدليل مدح المحسن ومعاقبة المسيء وإرسال الرسل.
الفصل الرابع: الاحتجاج بالقضاء والقدر على المعاصي
لا يجوز الاحتجاج بالقضاء والقدر على العيوب, لأنها ستكون بداية معصية العبد لله تعالى, ولكن يسوغ الاحتجاج عند المصائب بالصبر عليهم وشكر الله عز وجل بجميع الأحوال.
الفصل الخامس: من ثمار الإيمان بالقضاء والقدر
من ثمار الإيمان بالقضاء والقدر الاعتماد على الله تعالى بكل شيء, وراحة النفس وطمأنينة القلب, وطرد الإعجاب بشكر الله, والبعد عن القلق والضجر والسعي للعمل الصالح, وليس كما يدعي الملحدون أن الإيمان به يشجع على الكسل والتواكل, بل هو يزيد العبد إيمان بالله جل جلاله.
الباب السابع: في نواقض الإيمان ومنقصاته
النقض في اللغة هو الإفساد, وفي الاصطلاح هو اعتقادات أو أقوال أو أفعال تزيل الإيمان وتقطعه بالكلية, أما منقصات الإيمان فهي الأمور التي تنافي كمال التوحيد والإيمان, والناس في هذا الباب ثلاثة أقسام, المغالون في التكفير بسبب أخذهم للنصوص بظواهرها, والمعتقدون أن الإيمان بالقلب فقط ولا يشمل العمل ذلك, وأهل السنة والجماعة والمقرون بالوسط بين المذهبين والمشجعون على عبادة الله بالخوف والرجاء والحب والرغبة.
الفصل الأول: في الشرك
المبحث الأول: في الشرك الأكبر
الشرك في اللغة هو أن يكون الشيء بين اثنين وهو ضد الانفراد, والشرك في الاصطلاح هو اتخاذ العبد لله تعالى ندا يسويه به في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته, فالشرك هو أعظم الذنوب التي تقع على كاهل الناس, والله لا يغفر للميت الغير تائب عن الشرك كونه خارج عن ملة الإسلام, ولا يقبل من المشرك عملا فتحرم عليه الجنة ويكون مخلد في النار.
وينقسم الشرك إلى قسمين, الشرك الأكبر وهو عبادة غير الله, والشرك الأصغر وهو اتخاذ للتوصل إلى الله من غير عبادتها, وينقسم الشرك الأكبر إلى ثلاثة أقسام, الشرك في الربوبية وهو الاعتقاد بوجود خالق مدبر غير الله, والشرك في الألوهية وهو اعتقاد استحقاق العبادة لغير الله والاعتقاد بوجود حكم أفضل من حكم الله تعالى أو مثله, والشرك في الأسماء والصفات وهو مماثلة اسم أو صفة من الله لغيره عز وجل.
المبحث الثاني: وسائل الشرك الأكبر
من وسال الشرك الأكبر الغلو في الصالحين, ومن أنواعه المبالغة في المدح المؤدي إلى الشرك لدرجة الربوبية, وتصوير الأولياء والصالحين وهم أمر محرم حيث تصور ذوات الأرواح, ومن أنواعه كذلك التبرك الممنوع بالصالحين.
ثاني وسائل الشرك هو التبرك الممنوع, والتبرك هو طلب البركة والخير وزيادته, وينقسم إلى قسمين, تبرك مشروع وهو فعل العبادات المشروعة لنيل ثوابها, وتبرك ممنوع ينقسم هو الآخر إلى قسمين, تبرك شركي حيث يعتقد المتبرك أن المتبرك به يهب البركة بنفسه, وتبرك بدعي حيث يتم التبرك بما لم يرد دليل شرعي على جواز التبرك به, والتبرك البدعي له أنواع عدة تشمل التبرك الممنوع بالأولياء والصالحين والتبرك بالأزمان والأماكن والأشياء والتبرك بالأماكن والأشياء الفاضلة.
وثالث وسائل الشرك هو رفع القبور وتجصيصها وإسراجها وبناء الغرف أو المساجد عليها وعبادة الله تعالى عندها, وقد نهى الرسول عن ذلك في عدة مواضع.
المبحث الثالث: في الشرك الأصغر
وهو من كبائر الذنوب وأكبرها بعد نواقض التوحيد كونه يودي إلى الشرك الأكبر, ومن أنواعه الشرك الأصغر في العبادات القلبية كالرياء والعبادة لمصلحة دنيوية والاعتماد على الأسباب والتشاؤم المعروف بالتطير, ومن أنواعه أيضا الشرك في الأفعال كالرقى الشركية المشتملة على غير الأذكار بالقرآن الكريم والأدعية وكالتمائم الشركية المشتملة على الطلاسم واستدعاء الشياطين, وآخر أنواعه الشرك الأصغر في العبادات القولية كالحلف بغير الله والتشريك بينه وبين أحد من خلقة بالواو.