الفصل الثاني
في الإيمان بالله تعالى
المبحث الأول : الإيمان بربوبية الله تعالى
أولا : تعريفه : هو الإقرار الجازم بان الله تعالى وحده رب كل شئ ومليكه , وانه الخالق للعالم , وهو المدبر , المحيي , المميت , وهو الرزاق , ذو القوة المتين .
أدلة الإيمان بالربوبية :
من الأدلة التي وردت في القرآن , قوله تعالى ( الحمد لله رب العالمين ) ( الفاتحة : 1 )
ومن الدلالات على ربوبية الله تعالى على خلقه :
1_ دلالة الفطرة : و هو أن الله سبحانه فطر خلقه على الإقرار بربوبيته , كما في قوله جل جلاله : ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فاني يؤفكون ) ( الزخرف : 87 )
2_ دلالة الأنفس : لو أمعن الإنسان النظر في نفسه و ما فيها من العجائب : لعلم أن وراء ذلك ربا حكيما عليما خالقا قادرا , كما في قوله سبحانه : ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) ( الذاريات : 21 )
3_ دلالة الآفاق : قال تعالى : ( سنريهم ءاياتنا في الأفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق أولم يكف بربك انه على كل شئ شهيد ) ( فصلت : 53 )
المبحث الثاني : الإيمان بالوهية الله تعالى
وفيه أربعة مطالب
المطلب الأول : تعريفه ومكانته
الإيمان بالوهية الله تعالى : هو إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة .
ويسمى باعتبار إضافته إلى الله بتوحيد الالوهية , وباعتبار إضافته إلى الخلق بتوحيد العبادة , وهو أول دعوة الرسل وأخرها , ومن اجل هذا التوحيد قامت الخصومة بين الأنبياء وأممهم , وبين أتباع الأنبياء من أهل التوحيد وبين أهل الشرك وأهل البدع والخرافات .
• العلاقة التي يسميها العلماء علاقة التضمن والاستلزام بين توحيد الالوهية والربوبية , هو انه توحيد الالوهية يتضمن توحيد الربوبية , وتوحيد الربوبية يستلزم توحيد الالوهية .
المطلب الثاني : شهادة أن لا اله إلا الله
أولا : معناها وفضلها :
معنى شهادة أن " لا اله إلا الله " إجمالا : لا معبود بحق إلا الله تعالى .
ثانيا : شروطها ونواقضها :
أ_ دلت النصوص الشرعية أن لها سبعة شروط :
1_ العلم بمعناها الذي تدل عليه .
2_ اليقين المنافي للشك , فلابد أن يؤمن إيمانا جازما بما تدل عليه هذه الكلمة .
3_ القبول المنافي للرد , فيقبل بقلبه ولسانه جميع ما دلت عليه هذه الكلمة .
4_ الانقياد المنافي للترك , فينقاد بجوارحه بفعل ما دلت عليه هذه الكلمة .
5_ الصدق المنافي للكذب , وهو ان يقول هذه الكلمة صدقا من قلبه , يوافق قلبه لسانه .
6_ الإخلاص المنافي للشرك : فلابد من تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك .
7_ المحبة , فلابد أن يحب المسلم هذه الكلمة و يحب ما دلت عليه , ويحب أهلها العاملين بها الملتزمين بشروطها , ويبغض من ناقض ذلك .
ب_ نواقض " لا اله إلا الله " :
وتسمى نواقض الإيمان ونواقض التوحيد , وهي كثيرة , وتجتمع في ثلاث نواقض رئيسية , وهي : الشرك الأكبر , والكفر الأكبر , والنفاق ألاعتقادي .
المطلب الثالث : العبادة
العبادة في اللغة : الذل , ويقال طريق معبد ؛ إذا كان مذللا قد وطأته الأقدام .
وأما العبادة شرعا : اسم جامع لكل ما يحبه الله و يرضاه من الأقوال و الأعمال الباطنة والظاهرة .
فالعبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب , وهي تتضمن ثلاث أركان هي : المحبة , والرجاء , والخوف , ولابد من اجتماعها ؛ لان من تعلق بواحد منها فقط : لم يكن عابدا لله تمام العبادة . والعبادة لها أنواع كثيرة , فيجب صرف العبادة لله بجميع أنواعها لله تعالى وحده لا شريك له .
المطلب الرابع : أساليب القرآن الكريم في الدعوة إلى الإيمان بالوهيّة الله تعالى
1_ إخباره سبحانه انه خلق الخلق لعبادته , وانه أرسل جميع الرسل بالدعوة لعبادته والنهي عن عبادة من سواه , وأمره بذلك .
2_ الاستدلال على توحيد الالوهية بانفراده بالربوبية والخلق والتدبير .
3_ الاستدلال على وجوب عبادته سبحانه بانفراده بصفات الكمال وانتفاء ذلك عن آلهة المشركين .
4_ تسفيه المشركين الذين يعبدون غير الله , وتعجيز آلهتهم , والرد عليهم في اتخاذهم وسائط بينهم وبين الله , وبيان عاقبتهم .
5_ضرب سبحانه أمثلة كثيرة يتضح بها بطلان الشرك .
المبحث الثالث : الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته
المطلب الأول : طريقة أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى وصفاته .
تتلخص في ثلاث أمور :
الأمر الأول : طريقتهم في الإثبات : هي إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه , أو على لسان رسوله _ صلى الله عليه وسلم _ من غير تحريف , ولا تعطيل , ومن غير تكييف , ولا تمثيل .
الأمر الثاني : طريقتهم في النفي : نفي ما نفاه الله تعالى عن نفسه في كتابه , أو على لسان رسوله _ صلى الله عليه وسلم _ من صفات النقص , مع اعتقادهم ثبوت ضد الصفة المنفية عن الله جل وعلا .
الأمر الثالث : طريقتهم في النفي : التوقف في اللفظ والاستفصال في المعنى .
فأما في اللفظ : فيتوقفون فيه فلا يثبتونه لعدم ورده , ولا ينفونه ؛ لأنه قول على الله بغير علم .
وأما معناه : فيستفصلون عنه : فان أريد به باطل ينزه الله تعالى عنه : ردوه , وان أريد به حق لا يمتنع على الله تعالى : قبلوه .
المطلب الثاني : أقسام الصفات
القسم الأول : صفات ذاتيه :
وهي التي لم يزل الله تعالى متصفا بها , كالعلم , والقدرة , والحياة , والسمع , والبصر , والوجه , واليدين ... ونحو ذلك من صفات العلى التي هي من لوازم ذاته تعالى
القسم الثاني : صفات فعليه :
وهي الصفات المتعلقة بمشيئة الله تعالى وقدرته , إن شاء فعلها , وان شاء لم يفعلها , كالمجئ , والنزول , و الغضب , والفرح , ونحو ذلك , وتسمى : الصفات الاختيارية , أو الأفعال الاختيارية .
القسم الثالث : ذاتية باعتبار , وفعلية باعتبار آخر :
كصفة كلامه تعالى , فان الكلام أصله ونوعه صفة ذاتية , لان الله لم يزل ولا يزال متكلما , وباعتبار آحاد الكلام وإفراده صفة فعلية ؛ لان الكلام يتعلق بمشيئة الله تعالى .
المطلب الثالث : قواعد مهمة في توحيد الأسماء والصفات
القاعدة الأولى : القول في الذات كالقول في الصفات :
من حيث الثبوت ونفي المماثلة وعدم العلم بالكيفية , فكما أن ذات الله تعالى ثابتة حقيقة : كذلك صفاته ثابتة حقيقة , وكما أن ذات الله تعالى لا تماثل ذوات خلقه : فكذلك صفاته سبحانه لا تماثل صفات خلقه , وكما أن ذات الله لا يمكن العلم بكيفيتها : فكذلك صفاته , إذ العلم بكيفية الصفات فرع عن العلم بكيفية الذات .
القاعدة الثانية : القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر :
بهذه القاعدة يرد على الذين يثبتون بعض الصفات وينفون بعضها .
القاعدة الثالثة : الاتفاق في الأسماء لا يقتضي التساوي في المسميات :
إن الاشتراك في الأسماء و الصفات لا يستلزم تماثل المسميات و الموصوفات , كما دل على ذلك : السمع والحس والعقل :