اختصار كتاب ( المنهل العذب النمير في سيرة السراج المنير ) الجزء الثاني
من الهجرة النبوية إلى غزوة الخندق وبني قريظة
" أشهد الله تعالى أني قمت إن شاء الله بقراء ة المادة العلمية كاملة مع التدبًر والتفكَر , وأشهده أني قمت باختصارها بنفسي "
الهجرة النبوية
لما اشتد بلاء المسلمين , وكثر إيذاء الكفار لهم , قال النبي _ صلى الله عليه وسلم _ للمسلمين : إني رأيت دار هجرتكم , ذات نخل , بين لابتين .
فهاجر من هاجر قبل المدينة , ورجع عامة من هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة , وأراد أبا بكر _ رضي الله عنه _ الهجرة وتجهز لها , إلا أن الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ طلب منه التمهل , فتمهل _ رضي الله عنه _ وهو يتمنى مصاحبة الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ , فأنعم الله عليه بأن حقق له مناه , فخرج مهاجرا مع رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ إلى المدينة .
هجرته _ صلى الله عليه وسلم _ مع أبي بكر الصديق _ رضي الله عنه _
مضى رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ في الهجرة ويصاحبه أبو بكر _ رضي الله عنه _ , ومكثا في غارفي جبل ثور ثلاث ليال , وكان الله ثالثهما كما اخبر المصطفى _ صلوات الله وسلامه عليه _ , وكان عامر بن فهيرة مولى أبا بكر يرعى الغنم مخفيا بذلك أثر راحلتا رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ وصاحبه , وكانت ( ذات النطاقين ) أسماء بنت أبي بكر تجهزهم بالزاد , وكان عبد الله بن أبي بكر _ وكان صغيرا في ذلك الوقت _ يأتيهما بأخبار قريش .
واستأجر رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ وصاحبه _ رضي الله عنه _ رجلا من بني الديَل , يدلهما على الطريق , وانطلقوا هما والدليل وخرج معهم عامر بن فهيرة , فأخذ بهم الدليل طريق السواحل .
كانت قريش قد جعلت لمن يأتي بهم جائزة , فأخذ القوم يبحثون عنهم في أقطار المدينة , فأحس بهم سراقة وهو جالس بين أصحابه , فأستغفل أصحابه وأخذ راحلته ولحق بهما , وما إن دنا منهما حتى سقط عن راحلته , ثم ركبها فما لبث أن سقط منها ثانية , فعلم أن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم رجل معصوم .
وصوله _ صلى الله عليه وسلم _ المدينة
لما علم أهل المدينة بهجرة الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ , شرعوا باستقباله , وكانوا كل يوم يخرجون من بعد صلاة الفجر لا يرجعهم إلى بيوتهم إلا حر الظهيرة .
وفي ذات يوم رجعوا بعد طول انتظار , وكان رجل يهودي جالس على اطم ( حصن مبني من الحجارة ) , فرأى رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ قادم من بعيد , فصاح بأعلى صوته : يا معشر العرب هذا جدكم ( بختكم وحظكم ) الذي تنتظرون .
فأستقبل أهل _ المدينة الرسول صلى الله عليه وسلم _ وصاحبه _ رضي الله عنه _ أحر استقبال , منشدين أفضل الأبيات .
إسلام عبد الله بن سلام _ رضي الله عنه _ وموقف اليهود منه
ما إن سمع عبد الله بن سلام _ رضي الله عنه _ بخبر مجئ الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ حتى أتاه يقول : أشهد أنك رسول الله , وأنك جئت بالحق , وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم , فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت , فإنهم إن يعلمون أني قد أسلمت قالوا فيّ ما فيّ .
فدعاهم الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ وقال لهم : فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام , فقالوا ذاك سيدنا وابن سيدنا , وأعلمنا وابن أعلمنا , فقال لهم _ صلى الله عليه وسلم : أرأيتم إن اسلم , وأعادها عليهم مرتين , وفي كل مره يجيبون , حاشا لله ؛ ما كان ليسلم , ثم بعد ذلك أمر الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ ابن سلام بأن يخرج عليهم , فخرج عليهم وأخبرهم بأمر إسلامه , فجحدوا به .
بناء مسجد ( قباء ) والمسجد النبوي
أول ما شرع به رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ من الأمور حين قدم المدينة هو بناء مسجد قباء , المسجد الذي أسس على التقوى .
بعدما لبث رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة , ركب راحلته , وسار يمشي معه الناس , حتى بركت عند مربدا للتمر لسهيل وسهل ( وهما غلامان يتيمان ) , فدعاهما الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ وساومهما على المربد , فقالا : لا , بل نهبه لك يا رسول الله , فرفض الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ ان يقبله منهما هبه , حتى ابتاعه منهما , ثم بنا هو وأصحابه المسجد النبوي .
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
ومن أول الأمور التي شرع بها الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ هو المؤاخاة , ومنها مؤاخاة الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ بين عبد الرحمن بن عوف وهو من المهاجرين مع سعد بن الربيع وهو من الأنصار ( وكان كثير المال , وله امرأتان ) , فأراد سعد بن الربيع أن يقاسمه عبد الرحمن في ماله وأهله , فقال له بارك الله لك في أهلك ومالك , وطلب منه أن يدله على السوق ( حيث انه كان موهوبا بالتجارة , حيث حدث عنه الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ واصفا إياه _ رضي الله عنه _ لو تاجر عبد الرحمن بالرمل لربح فيه ) .
غزوة بدر
لما علم الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ بأمر قافلة قريش التي كان يقودها أبا سفيان , وكانت تحمل الكثير من الأموال , خير الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ صحابته _ رضوان الله عليهم _ بالخروج , فخرج معه ثلاثمائة وبضع عشر رجل , فأحس أبا سفيان بخروجهم , فأرسل إلى قريش يخبرهم بأمر الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ , فأرسلوا جيشا قوامه ألف رجل مجهزون بكامل جهازهم من المتاع وغيره .
استطاع أبا سفيان بدهائه أن يفلت من جيش المسلمين , وعلم حينها الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ أن لابد من القتال مع جيش المشركين , قام _ صلى الله عليه وسلم _ بجمع أصحابه كي يشاورهم بالأمر , فأشاره أبا بكر , فأعرض عنه , ثم عمر , فأعرض عنه , حتى ظن الأنصار انه يقصدهم , فقام المقداد بن الأسود وطمئن النبي _ صلى الله عليه وسلم , ثم قام سعد بن عبادة وفعل مثل ما فعل صاحبه , فارتاح النبي _ صلى الله عليه وسلم _ لقولهما .
فالتقوا عند بئر يطلق عليه اسم بدر , وكان النصر للرسول _ صلى الله عليه وسلم _ وأصحابه والهزيمة لأبي جهل وأتباعه , ونصر الله _ تعالى _ الحق وزهق الباطل بأذنه , وقتل في هذه معركة من جيش المشركين سبعون واسر سبعون , وفي هذه المعركة قتل سادة قريش وأشرافهم , ففيها : قتل أبو جهل فرعون هذه الأمة , وقتل عتبة , وأبنه الوليد , وأخوه شيبة .