غزوة أحد
أصيبت قريش بعد بدر باليأس وخيبة الآمال , فأتوا رجال ممن أصيب آبائهم وأبنائهم وممن أوذوا في تجارتهم , إلى أبي سفيان راغبين منه أن يعينهم على حرب المصطفى _ بأبي هو وأمي .
التقى الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ وصحابته _ رضوان الله عليهم _ بالمشركين عند جبل أحد , وكان جيش الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ في موضعا جاعلا الجبل إلى ظهره , وعليه خمسين رجلا من الرماة يأمرهم عبد الله بن جبير , ووصاهم الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ بان لا ينزلوا من أماكنهم سواء كانت الغلبة للرسول _ عليه الصلاة والسلام _ وصاحبته _ رضوان الله عليهم _ أم لأعدائه المشركين .
كانت الغلبة في أول النهار للرسول _ صلى الله عليه وسلم _ وأصحابه _ رضوان الله عليهم _ , فقتلوا من أصحاب لواء المشركين سبعة , فلما رأى المشركين ما ألم بهم ولوا على أعقابهم , فقام رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ وصحابته _ رضوان الله عليهم _ بجمع الغنائم , فلما رآهم الرماة نزلوا وهم يقولون : الغنيمة الغنيمة , فنهاهم قائدهم , وذكرهم بما وصى به الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ فلم يستمعوا لكلامه .
فدخلت خيل المشركين من ذلك الموضع على أصحاب النبي _ صلى الله عليه وسلم _ فضرب بعضهم بعضا ( حيث أن الرجل لم يكن يعرف صاحبه من الدروع التي كانت تغطي كامل الجسد ) , وقتل من المسلمين سبعون رجلا من سادات الصحابة المتقين , منهم : سيد شهداء أحد حمزة بن عبد المطلب عم الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ , ومصعب بن عمير , وعبد الله بن حرام , واليمان بن جابر _ رضي الله عنهم أجمعين .
قصة استشهاد حمزة _ رضي الله عنه _
كان حمزة بن عبد المطلب _ رضي الله عنه _ قد قتل في غزوة بدر , طعيمة بن عدي بن الخيار, فقال جبير بن مطعم لغلامه وحشي : ان قتلت حمزة فأنت حر , فكمن وحشي لحمزة تحت صخرة , فلما بان ظهره رماه بحربة اخترقت جسده .
بينما كان النبي _ صلى الله عليه وسلم _ يطوف في شهداء احد , أبصر عمه حمزة _ رضي الله عنه _ بينهم , وقد مثَل في جثته , فبكى بكاءا شديدا وحزن عليه حزنا شديدا .
حكمه في الشهداء
جاءت الأنصار إلى رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ فقالت : أصابنا قرح وجهد فكيف تأمرنا ؟
فقال _ عليه الصلاة والسلام _ : احفروا وأوسعوا , واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر.
فجعل رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد , ثم يقول : أيهم أكثر أخذا للقرآن ؟
فإذا أشير إلى أحد قدَمه في اللَحد , وقال : أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة .
وأمر رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ أن تنزع عنهم الحديد والجلود , وأن يدفنوا بدمائهم , وقال : لا تغسلوهم , فان كل جرح يفوح مسكا يوم القيامة , ولم يصل عليهم .
ثم صلى عليهم _ صلى الله عليه وسلم _ بعد ثماني سنين ؛ كالمودع للأحياء والأموات .
حادثة الافك
كان رسول _ صلى الله عليه وسلم _ عندما ينوي الخروج لغزوة أقرع بين أزواجه , فمن خرج سهمها خرجت معه في غزواه , وفي أحد الغزوات خرج سهم عائشة _ رضي الله عنها _ فخرجت معه , وهي تحمل على هودج .
لما فرغ النبي _ صلى الله عليه وسلم _ وأصحابه _ رضوان الله عليهم _ من غزوتهم , عادوا إلى المدينة , وهم في طريق العودة إذ فقدت عائشة _ رضي الله عنها _ عقدها , فرجعت تبحث عنه , فسار الجيش , وظن الذين يسيرون براحلتها أنها بالهودج , فلما وجدت عائشة _ رضي الله عتها _ عقدها رجعت إلى منزل الجيش ولم تجدهم .
جلست في مكانها تنتظرهم لعلهم يفقدونها , فبنما هي تنتظرهم إذ الم بها النعاس , فمر صفوان بن المعطل السلمي الذكواني , وكان وراء الجيش , فرأى سواد إنسان نائم , فأتى فإذا هي عائشة _ رضي الله عنها _ , فأناخ راحلته فركبتها , وعاد بها إلى المدينة .
وكان الذي تولى الافك : عبد الله بن أبيَ ابن سلول , وفي هذه الأثناء لم ينزل وحي على الرسول _ عليه الصلاة والسلام , وقد أصاب عائشة ما أصابها فكانت تبكي _ رضي الله عنها , فأنزل الله براءتها من فوق سبع سماوات , قال تعالى : ( إن الذين جاّءو بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره له عذاب اليم ) ( النور : 11-22 ) .
وكان الذين تكلموا بالافك ثلاثة هم : مسطح بن أثاثة , وحمنة بنت جحش , وحسان ابن ثابت _ رضي الله عنهم _ , وأما المنافق عبد الله بن أبيَ ابن سلول : فهو الذي كان يستوشيه ويجمعه , ويتولى كبره .
غزوة الخندق
يوم الخندق , لا أملك وصفا لهذا اليوم أبلغ من وصف الله تعالى له في القرآن , يقول جل وعلا : ( يأيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا , إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا , هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ) ( الأحزاب : 9-11 ) .
قام الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ بتوزيع الصحابة على امتداد الخندق وعرضه كل يحفر في جهة , وكانوا إذا حالت صخرة بينهم وبين الحفر , أرسلوا إلى الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ فيأتي ويكسرها بيديه الشريفتين .
استمرت غزوة الخندق طيلة شهر ونصف , ما زاد الله _ سبحانه وتعالى _ المشركين فيها إلا رهقا وتعبا , وما زاد المسلمين إلا قوة وتثبيتا .
فبعث الله الريح على المشركين فطيرت خيامهم , وقلبت قدورهم , فخطب بهم أبا سفيان , أن أرجعوا , كما قال تعالى : ( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ) ( الأحزاب : 25 ) .
غزوة بني قريظة
لما رجع النبي _ صلى الله عليه وسلم _ وأصحابه _ رضي الله عنهم _ من الخندق إلى المدينة , دخل الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ دار فوضع سلاحه , واغتسل , فجاءه جبريل على هيئة دحية الكلبي _ رضي الله عنه _ فقال : وضعت السلاح ؟! والله ما وضعت الملائكة السلاح , اخرج إليهم .
فقال له الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ فإلى أين ؟
فأشار جبريل _ عليه السلام _ : إلى بني قريظة .
فلبس النبي _ صلى الله عليه وسلم _ لبس الحرب , وخرج على أصحابه وقال : ما رأيتم , فقالوا : ما رأينا إلا دحية الكلبي متجها إلى بني قريظة , فقال : من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة .
فحاصرهم الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ حتى نزلوا عند حكمه , فأردوا من الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ أن يحكم عليهم سعد بن معاذ _ رضي الله عنه _ , فحكم فيهم _ رضي الله عنه _ أن يقتل رجالهم , ويسبى نسائهم وأطفالهم .
فقال رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ : لقد حكمت فيهم بحكم الله .