~ .. مختصـــر من المنهل العذب النمير في سيرة السراج المنير .. ~

الحمد لله رب العالمين ، و العاقبة للمتقين ، و لا عدوان إلا على الظالمين ، و لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إله الأولين و الآخرين ، و قيوم السماوات و الأرضين ، و مالك يوم الدين ، شهدت لله بالربوبية جميع مخلوقاته .
قد اختار الله تعالى الأنبياء صلوات الله و سلامه عليهم من ولد آدم و هم أربعة و عشرون و مائة ألف نبي ، ثم اختار منهم الرسل عليهم السلام و هم ثلاثة عشر و ثلاثمائة رسول .
ثم اختار منهم أولي العزم ، و هم الخمسة المذكورون في سورتي ( الأحزاب ) و ( الشورى ) : نوح ، ابراهيم ، موسى ، عيسى ، و محمد صلى الله و سلم عليهم جميعًا . ثم اختار منهم الخليلين : إبراهيم و محمد صلى الله عليهما و على آلهما و سلم .
و إن الألباب و العقول ، مضطرة لمعرفة سيرة الرسول صلى الله عليه و سلم . و أهمية السيرة النبوية : و قد جعل الرب جل ثناؤه و تقدست أسماؤه ، سنة نبيه و سيرته عصمة لمن لجأ إليها ، و جنة لمن استمسك بعروقها الوثقى و عض بالنواجذ عليها .

حياته صلى الله عليه و سلم قبل البعثة
نسب النبي :
إن نبينا صلى الله عليه و سلم هو خير أهل الأرض نسبًا على الإطلاق ، فقومه أشرف الأقوام ، و قبيلته أشرف القبائل و الفئام . فهو : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
و أبوه عدنان : من ولد إسماعيل صاحب القربان ، ابن إبراهيم خليل الرحمن .
مولده و نشأته :
ولد محمد الخليل - عليه أفضل الصلاة و السلام و التبجيل – في عام الفيل ، و توفي أبوه عبد الله و هو حمل في بطن أمه جنين ، ثم توفيت أمه آمنة ، و لم يستكمل لابنها إن ذاك سبع سنين . ثم كفله جده عبد المطلب ، فإن بداعي الموت يدعوه و يجد له في الطلب . فقد عاش الرسول صلى الله عليه و سلم يتيم و لكن ليس كسائر الأيتام ، فهو اليتيم الذي كفل الأرامل و الأيتام ، و هدى بإذن ربه الأنام ، و أخرجهم إلى النور بعد الظلام ، و دعاهم إلى الجنة دار السلام .
زواجه من خديجة بنت خويلد رضي الله عنها :
لما كمل لنبينا صلى الله عليه و سلم من العمر خمسة و عشرين ، تزوج خديجة بنت خويلد و هي ثيب قد ناهزت إذ ذاك الأربعين ، و هي أول حليلة سترها بلحافه و كسائه ، و أول امرأة ماتت من نسائه ، لم ينكح عليها ضرة ، و كانت لعينه قرة .
أولاده صلى الله عليه و سلم و ذريته :
أكبر الأثنين : القاسم و به كان ينكى سيد الثقلين ، ثم عبد الله الملقب بالطيب و الطاهر ، و قد ماتا صغيرين و نبي الله صلى الله عليه و سلم على فراقهما محتسب و صابر . فقال العاص بن وائل : قد انقطع نسل محمد فهو أبتر !
و أما بناته الأربع ، ذوات القدر العلي الأرفع : فأكبرهن زينب ، ثم رقية ، ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة رضي الله عنهن . و جميع بنات النبي صلى الله عليه و سلم توفين قبله ، إلا فاطمة رضي الله عنها فقد توفيت بعده بستة أشهر لتكون للصابرين قبلة .

بعثته صلى الله عليه و سلم
لما وصل النبي صلى الله عليه و سلم إلى سن الأربعين : أري في منامه رؤى الصلاح ، ثم حبب إليه الخلوة و التفرد ، و التحنث لربه و التعبد ، و قد بغض إليه الأوثان و الأصنام ، و فطر على عبودية الملك العلام ، فلم يزل على ذلك حتى أشرق عليه نور النبوة في غار حراء ، و أكرمه الله تعالى بالرسالة و الاصطفاء . فأجابت خديجة حبها ، ثقة بربها : كلا و الله ، ما يخزيك الله أبدًا إنك لتصل الأرحام ، و تحمل الكل و تكسب المعدوم و تقري الضيف ، و تعين على نوائب الحق .

بين أذى الأقربين و ندى الأعجمين :
لقد هبت بعد بعثة النبي المصطفى المختار ، عواصف الأقضية و الأقدار ، و بعدها هدأت الرياح ، و نبي الله صلى الله عليه و سلم يصيح في قومه أشد الصياح ، و يناديهم : حي على الصلاة ، حي على الفلاح .
فإذا بعم النبي صلى الله عليه و سلم عبد العزى قد تبت يداه و توعد بصلي نار ذات لهب و حريق ، و عمه أبي طالب في لجة تقليد ملة عبد المطلب غريق . و إذا بصهيب يقدم من الروم قد هدي سواء الطريق ، و سلمان يهرب من فارس ليحظى من المصطفى ببشرى : سلمان منا أهل البيت فأكرم به من تابع ولحيق .
و قد أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه و سلم : (( و أنذر عشيرتك الأقربين )) ، فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى صعد الصفا ، فهتف : يا صباحاه !
فقالوا : من الذي يهتف ؟ ، فقالوا : محمد ، فاجتمعوا إليه . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي ؟
قالوا : ما جربنا عليك كذبًا . فقال رسول الله : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد . فقال أبو لهب : تبًا لك ! ألهذا اجتمعنا ؟!
ثم قام ، فنزلت : (( تبت يدآ أبي لهب (1) ما أغنى عنه ماله و ما كسب (2) سيصلى نار ذات لهب (3) و أمرأته حمالة الحطب (4) في جيدها حبل من مسد )) .

الإسراء و المعراج
سلى الله تعالى نبيه صلى الله عليه و سلم برحلة الإسرى ، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، فأسري بجسده و روحه إلى الشام ، ثم عرج به إلى الملك العلام .
أوتي الرسول صلى الله عليه و سلم بدابة دون البغل و فوق الحمار أبيض و هو البراق ، يضع خطوه عند أقصى طرفه ، فركبته حتى أتيت بيت المقدس ، فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء ، ثم دخلت المسجد . فقد رأى الرسول صلى الله عليه و سلم موسى و عيسى و إبراهيم و قد أمهم الرسول صلى الله عليه و سلم و بعد الصلاة رأى خازن مالك النار .
فانطلق جبريل حتى أتى السماء الدنيا ، فقال لخازن السماء الدنيا : افتح . ففتح ، فلما خلصت فإذا فيها آدم !
ثم صعد حتى أتى السماء الثانية ، فاستفتح جبريل . فلما خلصت إذا يحيى و عيسى . و بالسماء الثالثة رأى يوسف ، و بالسماء الرابعة إدريس ، و بالسماء الخامسة هارون ، و بالسماء السادسة موسى ، و بالسماء السابعة إبراهيم ، ثم رفعت سدرة المنتهى للرسول صلى الله عليه و سلم و بعدها قد دخل الجنة ثم بعد ذلك عرج جبريل بالرسول صلى الله عليه و سلم و دنى رب العزة تبارك و تعالى ففرض خمسين صلاة ثم يعود ذلك رجع الرسول إلى الله تعالى ليتخففها فأوصلها إلى خمس صلوات .

موقف الناس من الإسراء و المعراج :
قال النبي : و أصبحت بمكة فظعت بأمري ، و عرفت أن الناس مكذبي ، فقعدت معتزلاً حزينًا . فمر عدو الله أبو جهل على الرسول صلى الله عليه و سلم و كان مستهزأ به . و القوم ما بين مصفق ، و ما بين واضع يده على رأسه متعجبًا . بعدها أخبرهم الرسول صلى الله عليه و سلم القصة .