اختصار كتاب ( المنهل العذب النمير في سيرة السراج المنير ) الجزء الثالث : من صلح الحديبية حتى البعوث والسرايا
" أشهد الله تعالى أني قمت إن شاء الله تعالى بقراءة المادة العلمية كاملة مع التدبَر والتفكَر , وأشهده أني قمت باختصارها بنفسي "
صلح الحديبية
خرج النبي _ صلى الله عليه وسلم _ عام الحديبية ومعه خمس عشرة مائة من أصحابه , فلما أتى الخليفة قلَد الهدي وأشعره , وأحرم منها بعمرة .
ثم أرسل النبي _ صلى الله عليه وسلم _ رجلا يأتي له بالأخبار , وسار _ صلى الله عليه وسلم _ حتى وصل إلى غدير الأشطاط أتاه الرجل , فقال : إن قريشا جمعوا لك جموعا , وقد جمعوا لك الأحابيش , وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت ومانعوك .
فطلب النبي _ صلى الله عليه وسلم _ من الناس أن يشيروا عليه , فقال : أبو بكر _ رضي الله عنه _ يا رسول الله , خرجت عامدا لهذا البيت , لا تريد قتل أحد ولا حرب أحد فتوجه له , فمن صدَنا عنه قاتلناه . فقال النبي _ صلى الله عليه وسلم _ : امضوا على اسم الله .
وسار النبي _ صلى الله عليه وسلم _ حتى نزل بأقصى الحديبية , وهناك بايع الناس الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ تحت الشجرة على أن لا يفروا , وكان عثمان بن عفان _ رضي الله عنه _ قد بعثه الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ إلى مكة , فجعل الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ يده الشريفة وقال : هذه عن عثمان , فبايع الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ عن عثمان .
وبينما هو _ صلى الله عليه وسلم _ وأصحابه _ رضوان الله عليهم أجمعين _ إذ أرسلت له قريش عروة بن مسعود ليفاوض النبي _ صلى الله عليه وسلم _ , وبعد ما تم بينه وبين _ صلى الله عليه وسلم _ عاد فأخبر أصحابه < أي : قريش > فقال : والله لقد وفدت على الملوك , ووفدت على قيصر وكسرى و النجاشيَ , والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا , والله ما تنخم إلا وقعت في كف رجل منهم فذلك بها وجهه وجلده , وإذا أمرهم ابتدروا أمره , وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوؤه , وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده , وما يحدون النظر إليه تعظيما له .
ثم أرسلوا له رجل من كنانة , وبعده أرسلوا مكرز بن حفص , وبينما هو يكلم النبي _ صلى الله عليه وسلم _ إذ جاء سهيل بن عمرو , فقال سهيل للنبي _ صلى الله عليه وسلم _ هات اكتب بيننا وبينكم كتابا , فدعا النبي _ صلى الله عليه وسلم _ علي بن أبي طالب _ رضي الله عنه _ فكتب الصلح .
فصالح النبي _ صلى الله عليه وسلم _ المشركين يوم الحديبية على ثلاثة أشياء : على أن ما جاء منكم لم نرده عليكم ( أي من جاء منكم مرتد إلى قريش لا نرده إليكم ) , ومن جاءكم منا رددتموه علينا ( أي من جاء مهاجرا إليكم رددتموه على قريش ) , وعلى أن يدخلها من العام القابل ويقيم فيها ثلاثة أيام ؛ ولا يدخلها بسلاح إلا بجلبان السلاح : السيف والقوس ونحوه وما فيه ( أي أن العمرة تكون في العام القادم , ويقيم الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ وصاحبته _ رضوان الله عليهم أجمعين _ ثلاث ليال ) .
فلما انتهى النبي _ صلى الله عليه وسلم _ من كتابة الصلح , أمر أصحابه أن يتحللوا من العمرة , فما قام أحد , حتى أمرهم بذلك ثلاثا , فلما لم يقم أحد دخل النبي _ صلى الله عليه وسلم _ على أم سلمه فأخبرها بما جرى , فأشارت عليه أن يخرج ولا يكلم أحد منهم , ويقوم بالنحر والحلق بنفسه , فخرج وفعل _ صلى الله عليه وسلم _ , فقام الصحابة _ رضي الله عنهم _ ففعلوا مثله .
غزوة خيبر
خرج رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ في العام السابع للهجرة ومعه أصحابه لفتح حصون خيبر , أعطى اللواء إلى أبي بكر الصديق _ رضي الله عنه _ ولم يفلح بالفتح , ثم أعطي اللواء في الغد إلى عمر بن الخطاب _ رضي الله عنه _ ولم يفلح بالفتح .
فقال رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ : لأعطين هذه الراية غدا رجل يفتح الله على يديه ؛ يحب الله ورسوله , ويحبه الله ورسوله , لا يرجع حتى يفتح له .
فترقب الناس الرجل الذي أخبر عنه الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ , فكانت من نصيب علي بن أبي طالب _ رضي الله عنه _ , وكان في ذلك اليوم أرمد العينين , فقام الرسول _ صلى الله عليه والسلم _ بالبصق في عينين ودعا له ؛ فشفاه الله _ تعالى _ .
فخرج إليه مرحب ينشد الأبيات , فانبرى له علي بن أبي طالب _ رضي الله عنه _ منشدا الأبيات , فحدث بينهما قتال أنهاه علي _ رضي الله عنه _ بضربة في رأسه فقضا عليه .
قصة الشاة المسمومة :
وقد أهدت امرأة يهودية < وهي أخت ملكهم مرحب > رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ شاة مشوية مسمومة , وكانت قد سألت أي اللحم أحب إلى رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ فقالوا : لحم الكتف , فأكثرت السم فيه .
فأكل الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ وأكل أصحابه _ رضي الله عنهم _ , فقال الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ : ارفعوا أيديكم , فإنها < أي : الشاة > أخبرتني أنها مسمومة .
فمات الصحابي بشر بن البراء بن معرور الأنصاري _ رضي الله عنه _ متأثرا بالسم , فأمر الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ بها < أي : اليهودية > فقتلت .
زواجه من صفية بنت حيي _ رضي الله عنها _ :
لما وزع النبي _ صلى الله عليه وسلم _ السبي , جاء نصيب دحية الكلبي _ رضي الله عنه _ صفية بنت حيي _ رضي الله عنها _ , فجاء رجل إلى النبي _ صلى الله عليه وسلم _ فقال : ان سهم دحية الكلبي _ رضي الله عنه _ من السبي صفية بنت حيي _ رضي الله عنها _ وهي بنت ملك وزوجة ملك ولا تصح إلا لك .
فدعا النبي _ صلى الله عليه وسلم _ دحية _ رضي الله عنه _ , واشترى منه صفية _ رضي الله عنه _ بسبعة أرؤس , وقال لدحية _ رضي الله عنه _ خذ جارية من السبي غيرها .
فاصطفاها _ صلى الله عليه وسلم _ لنفسه واعتقها , ونزوجها .
قدوم مهاجري الحبشة _ رضي الله عنهم _ :
هاجر جعفر بن أبي طالب ومن معه _ رضوان الله عليهم أجمعين _ من الحبشة إلى المدينة , فلما أتوها كان قد خرج الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ إلى فتح خيبر , فلحقوا به فلما وصلوا وجدوه قد فتح خيبر , فأسهم لهم من غنائمها , وقال رسول _ صلى الله عليه وسلم _ فيهم : " لكم انتم هجرتان " < أي : هجرة من مكة إلى الحبشة , وهجرة من الحبشة إلى المدينة > .
إتيان الحجاج بن علاط _ رضي الله عنه _ مكة وجمعه ماله وذهابه به :
أتى الحجاج بن علاط _ رضي الله عنه _ بعد فتح خيبر إلى النبي _ صلى الله عليه وسلم _ يستأذنه بأن يذهب إلى مكة , ويخبرهم بغير الذي حصل , وذلك لأنه كان له مالا في مكة ويريد منهم أن يجمعوا له ماله في أسرع وقت , وكانت مكة تظن أنه على الكفر .
فسمح له الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ فذهب وأخبرهم بأن الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ ففرحت مكة فرحا شديدا , وجمعوا له ماله في ثلاثة أيام , وكان قد أحزن الخبر عم الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ العباس حتى أصبح طريح الفراش , فأخبره الحجاج بالحقيقة , وقال له : أمهلني ثلاثا , فأمهله , ثم خرج على مكة يزف لهم الخبر , ففرح المسلمين بنصر الله , وانتقل حزنهم الذي كان إلى المشركين .
.